#تأملات
ذكَّرتني تغريدةٌ لعميل، بمصطلح (الشَعثي)، مصطلحٌ قَصد منه بعض الأصدقاء لوصف (البعثي الشيعي) والذي كان أشد على أهله زمن النظام البائد من (السَعثي)، ذلك لأنه كان يستشعر النقص دائماً، و يحتاج باستمرار أن يثبت ولاءَه لقائد الضرورة بمزيدٍ من الاجرام بحقِّ اهله، فيتبرَّع بالتنكيل بأبناء جلدته للحصول على كلمة (عفية) من باب قاعدة: اشهدوا لي عند الأمير.
التغريدة حفَّزت عندي مصطلحاً مشابهاً: (شَلَفي).. شيعيٌ ظاهراً خادمٌ لتيار السلفي الوهابي، غرَّد ضمن نفس القاعدة، قاعدة (عفية) تتبعها (عَطوه..) يمجِّد فيها بالولاء لطاغوتٍ وظالم، ويعلن مبايعته له.
في نفس الوقت أرسل صديقٌ مقطع، لعالمٍ – من باب المجاز- لعلماءِ السلفية، وهو يحاول جاهداً تحليل الغناء، تبريراً لحفلات المجون في بلاده، مستشهداً برواياتٍ مكذوبة على رسول الله (ص).
قارنت بين هذه النماذج، ونماذج علمائنا الاعلام، فحمدتُ الله على نعمة المراجع الكرام، الذي بقوا على طول تاريخ الامامية حُصوناً للأمة وقلاعاً محكمة دون تغييرِ حُكمٍ من احكام الدين، أو أن يصبحوا العوبةً بيد الطغاة.
ولكن!
ما لفت انتباهي منذ فترة.. أن هذه النماذج لا تُثير انتباه التيارات العَلمانية ولا الليبرالية.
فنحن نعرف أن هناك من يشن حملةً شعواء ليل نهار، على كُلِّ ما يمس الدين ولو كان زياً دينيا مثل (العَمامة) أو (الحجاب) مستهزءاً بها، ومطالباً بحصر الدين في أروقة المساجد، كتكتيك لحذف الدين كليا، ورفعوا شعاراً مُضحكا: (كل واحد بمكانه).
الغريب، أن هذه النماذج، نموذج (الشَلَفي) أو قرينه (السَلَفي الخادم للطغاة) لا يُثيرهم في شيء.. وسهامهم موجَّهة فقط ضد العلماء العاملين..
فشعار نحن لسنا ضد (الدين) بل ضد (رجال الدين) الذي يرفعونه تمويهاً، شعارٌ مفضوح.. فهم ضد (الدين) نفسه، ولو كان ممن ينتمي ظاهراً الى (رجال الدين) يتلاقى مع مشاريعهم، يؤيدونه، بل يستضيفونه في قنواتهم، ليتكلَّم بكلامهم نيابةً عنهم.
كما لا يثيرهم من باعَ آخرته بدنيا الطغاة والمستكبرين، بل يعادون من كان خطراً باخلاصه، وصلاحه، وبصيرته.. خطراً على دنيا الطغاة والمستكبرين.. وبالتبع دنياهم أيضا!
وفي نظري، فإنَّ وجودَ مثل هذه النماذج المزيَّفة مفيدٌ لتحصين الناس، في أن يبحثوا عن النماذج السليمة الصحيحة، المخلصة، وهي كثيرةٌ جداً ولله الحمد.. لأن الأمور تُعرف بأضدادها، ومعرفة الأضداد من (الشعثيين) و(الشَلَفيين) والعُملاء، ضرورةٌ للتمسك بحجزة العلماء الصالحين، الذي في اتباعهم صلاح الدين والدنيا.
وما أورع ما بيَّنه أمير المؤمنين (ع) من قاعِدَةٍ في بيان المنهج للتمييز بين الحقيقي والمزيَّف:
" وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَعْرِفُوا الرُّشْدَ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَرَكَهُ..
وَ لَمْ تَأْخُذُوا بِمِيثَاقِ الْكِتَابِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَقَضَهُ..
وَ لَنْ تَمَسَّكُوا بِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي نَبَذَهُ..
وَ لَنْ تَتْلُوا الْكِتَابَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي حَرَّفَهُ..
وَ لَنْ تَعْرِفُوا الضَّلَالَةَ حَتَّى تَعْرِفُوا الْهُدَى..
وَ لَنْ تَعْرِفُوا التَّقْوَى حَتَّى تَعْرِفُوا الَّذِي تَعَدَّى..
فَإِذَا عَرَفْتُمْ ذَلِكَ عَرَفْتُمُ الْبِدَعَ وَ التَّكَلُّفَ وَ رَأَيْتُمُ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ وَ عَلَى رَسُولِهِ وَ التَّحْرِيفَ لِكِتَابِهِ وَ رَأَيْتُمْ كَيْفَ هَدَى اللَّهُ مَنْ هَدَى فَلَا يُجْهِلَنَّكُمُ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُون"
فمعرفة (الذي تركه) اي الشخص الذي ترك الرشد، طريقٌ الى معرفة الرُشد نفسه..
ومعرفة (الذي تعدَّى) طريق معرفة التقوى.
وهكذا.
ولله في خلقه شؤون.
#تأملات