هناك إتجاهان يحكمان الذهنية التي تدير السياسة العراقية الخارجية ، الأول يرى ضرورة الإنفتاح و قبول المتغير السياسي في سوريا بذريعة عدم فسح المجال لأي إنعكاس سلبي تجاه القطيعة المحتملة مع النظام الجديد هناك ، و هذا الرأي يمثله رئيس الوزراء و بعض القوى في الاطار التنسيقي إضافة إلى القوى السنية و الكردية .
بينما يؤمن الإتجاه الآخر بضرورة أخذ الحيطة والحذر و مراقبة الواقع السوري دون الإنفتاح عليه لا في مجال السياسة أو الإقتصاد كون أن الواقع السوري يحتضن جماعات إرهابية و التي تم تجميعها بنحو يؤمن هيمنة لأطراف إقليمية و دولية على توجهات السياسة السورية في المستقبل.
في الواقع إننا أمام إتجاهين متضادين في نمط التفكير و التعاطي مع سوريا و نظامها الجديد ، الأول يمتهن البراغماتية التي تمنح من يؤمن بها قبولاً إقليمياً و غربياً ، بينما الآخر ينطلق من مبدئية الموقف و ثبات الذاكرة تجاه نتائج أي إنفتاح تجاه سوريا.
لست هنا بصدد أسباب هرولة معتنقي الإتجاه الأول نحو سوريا (معظم أطراف إئتلاف إدارة الدولة) حيث تم شرح ذلك في مقالات سابقة ، و لكن يجب تسليط الضوء على إشكاليتين تحكمان هذا الإتجاه :
⁃ إستجابة هذه الأطراف لعامل التأثر بالأزمات الإقليمية بشكل عكسي و لغير مصلحة العراق إما نتيجة لتلاقي المصالح الإثنية و المذهبية ، أو بسبب رضوخ بعض هذه الأطراف لضغط غربي يأتي أُكُلَه كلّ حين.
⁃ إنسياق بعض الجهات السياسية الشيعية مع القوى الكردية و السنية في ذات التوجه مع أن جمهور هذه الجهات هو من دفع ضريبة عالية نتيجة السجل الإرهابي للقوى الحاكمة في سوريا ، بينما كانت بقية القوى إما في موقف الحياد كما هو حال القوى الكردية ، أو أنها منخرطة بشكل كبير سواء بإحتضان الجماعات الإرهابية في السابق كما هو حال معظم القوى السياسية السنية.
هذا الإتجاه لا نجد له إمتداداً واقعياً في المناطق الشيعية ما عدا جمهور بعض الحركات السياسية التي تستجيب لتوجيهات من يمثلها في إئتلاف إدارة الدولة ، إلى جانب الجمهور السني بشقيه العلماني الذي يتبع للحلبوسي ، و الجمهور الذي لديه خلفية سلفية و بعثية و الذي يمثله خميس الخنجر . المناطق الكردية و أحزاب السلطة الحاكمة منسجمة مع هذا الإتجاه كونها تنشد الفيدرالية في سوريا .
في قبال محاولة السلطة تجسيد شرعية و فرض هذا الإتجاه في الواقع السياسي ، يبرز الإتجاه الآخر الجماهيري و الذي يتسم بالمبدئية و الذي يركز على النقاط التالية على الرغم من محاولة أجهزة السلطة و أدواتها الإعلامية التغطية عليها و عدم استذكارها :
⁃ أن الجماعات الحاكمة في سوريا هي جماعات إرهابية أوغلت في دماء العراقيين و لا يمكن لأية سلطة أن تُسقط الحقوق عن رقاب من هدرها .
⁃ لا يمكن القبول أو تقبُّل التلاعب الأميركي بمصائر الشعوب عن طريق إستخدام هذه الجماعات الإرهابية .
⁃ لا يمكن القبول بإستخفاف الأميركيين بكرامات و حقوق شعبنا المكلوم ، حيث لا يحق لأية إدارة أميركية أو جهة غربية منح صكوك براءة لعتاة الإرهاب لمجرد تحقيقهم لمصالح تلك الجهات الغربية .
⁃ الأغلبية الشيعية هي من نزفت الكثير من الدماء بسبب هجمة التنظيمات الإرهابية المدعومة غربياً منذ إسقاط الغرب لحليفهم المقبور صدام و نظامه ، و بالتالي لا يحق لأي سياسي منح سلطة انبثقت من ذات تلك التنظيمات في سوريا جوائزاً لتحقيق الديمومة لها بتوجيه من الغرب.
⁃ إن القوى الحاكمة في سوريا و من أتى بها يسعون إلى محاصرة قوى المقاومة في لبنان و هذا ما لا تقبله الأغلبية الشعبية في العراق.
⁃ إن فصل دور سوريا عبر تسليمها غربياً لجماعات تكفيرية أعلنت مراراً أن (أمن الكيان الصهيوني هو من أمن سوريا) هو بمثابة إعتراف بنهج سلطة تحكمها الصهيونية العالمية.
⁃ إن كل وجودات عسكرية غربية في العراق هي وجودات إحتلال غير شرعية ، و ما يجب أن تعيه الحكومة العراقية و أطرافها بأن الإدارات الأميركية تجيد عملية الإبتزاز بهذه الورقة عند وضعها جنباً إلى جنب مع ورقة داعش الإرهابية، و هذا الإبتزاز يمكن أن يجد له صدى و ثمار عند من لا يتخذ مواقف مبدئية و العكس صحيح و خير مثال هو فشل الضغوطات الخارجية على المقاومة الإسلامية في لبنان و على حركة أنصار الله اللتان لم ترضخا لأية مساومة على حساب مواقفهما المبدئية.
إن إعتراف حكومة العراق و إنفتاحها على منظومة حكم سورية ذات خلفيات إرهابية هو إستجابة لضغوط غربية و هذا ما لا يخدم الواقع العراقي و ستكون له آثاره السلبية أمنياً و سياسياً و إجتماعياً و التي ستتطور تدريجياً على نحو مشابه بدرجة معينة لما يجري في لبنان على المستوى الرسمي من حيث محاولة محاصرة الشيعة هناك ، و مثال ذلك هو حجم الضغوط الإقتصادية بل و تدخل السفارة الأمريكية في فرض أجنداتها بتفاصيل داخلية عراقية كفرض تمرير تعديل الموازنة.
٢/١