رَابِعا الانقِيَادُ : التَّامُ لِمَا تَدُّلُ عَليهِ هَذِهِ الكَلِمَةُ العَظِيمَةُ ، والتَّسليمُ الكَامِلُ لِكُلِّ تَشرِيعَاتِها الحَكِيمَةِ ، كَمَا قَالَ اللهُ تَعالى : ( فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّىٰ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا ) ، وَهَكَذَا يَكونُ الإيمَانُ الحَقِيقيُّ القَويمُ ، مَعَ التَّحكِيمِ لَهَا ثُمَّ الإذعَانُ الكَاملُ والتَّسليمُ .
أقولُ قولي هذا ، وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ، ولسائرِ المسلمينَ من كلِّ ذنبٍ فاستغفروه إنه هو الغفورُ الرحيمُ .
الخطبة الثانية :
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا كَثِيرًا ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ ، أَمَا بَعْدُ :
خَامِسُ شُروطِ لا إلِهَ إلا اللهُ الصِّدقُ : وَهو مُواطَأةُ القَلبِ لِمَا يَقُولُ اللِّسانُ ، لَيسَ كَالمُنَافقينَ فِي الخِدَاعِ والبُهتَانِ ، كَمَا أَخَبَر سُبحَانَهُ عَنهم : ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُم بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلَّا أَنفُسَهُم وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُم عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ ) ، فَلا يُنجي إلا الصِّدقُ ، وَقَد قَالَ عَليهِ الصَّلاةُ والسَّلامُ : " ما من أحَدٍ يَشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللهُ ، وأنَّ مُحمَّدًا رَسولُ اللهِ ، صِدْقًا مِن قَلْبِه إلَّا حَرَّمَه اللهُ على النَّارِ " .
سَادِسَاً الإخلاصُ : فَلا شِركَ ولا رِياءَ ، وإنَّمَا سَلامَةُ النِّيَةِ والنَّقَاءُ ، قَالَ تَعَالى : ( إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَـئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) ، وَأَسعَدُ النَّاسِ بِالشَّفَاعَةِ يَومَ القِيَامَةِ ، هُم أهلُ الإخلاصِ ، وَفي الحَديثِ : " أَسْعَدُ النَّاسِ بِشَفاعَتِي يَوْمَ القِيامَةِ ، مَنْ قالَ : لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، خالِصًا مِنْ قَلْبِهِ " .
سَابِعَاً المَحَبَّةُ : لِهَذِهِ الكَلِمَةِ الجَليلَةِ الغَاليَّةِ ، ومَا دَلَّتْ عَليهِ مِن المَعَاني العَاليَّةِ ، ( وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ ) ، وَهَكَذا يَتَرقَى فِي المَحَبَّةِ حَتى يَكونَ اللهُ تَعالى ، وَرسَولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَحَبَّ إليهِ مِن كُلِّ شَيءٍ ، عِندَهَا سَيَجِدُ طَعمَ الإيمَانِ ، كَمَا جَاءَ في الحَديثِ : " ثَلاثٌ مَن كُنَّ فيه وَجَد حلاوةَ الإيمانِ : - وَمِنهَا - أن يكونَ اللهُ ورَسولُه أحَبَّ إليه ممَّا سِواهُمَا " .
هَذِهِ شُروطُ لا إلهَ إلا اللهُ كَمَا دَلَّ عَليهَا الوَحيَانِ ، وبِقُوَّتِهَا تَختَلِفُ ثِقلُ بِطَاقَاتِ النَّاسِ فِي المِيزَانِ .
اللهمَّ مُنَّ عَلينَا وَأَكرِمنَا بِأَنْ نَكونَ مِن عِبادِكَ الموحِّدينَ ، وجَنِّبنَا وَجَنِّبَ أَهلينَا الشِّركَ صَغيرَهُ وَكَبيرَهُ ، اللهمَّ وَفِّق جَميعَ وُلَاةِ أُمورِ المسلمينَ لِلقَضَاءِ عَلى الشِّركِ وَأَسبابِهِ ، اللهمَّ أَعنَّا عَلى ذِكرِكَ وَشُكرِكَ وَحُسنِ عِبَادتِكَ ، اللهمَّ جَنِّبنا الفتنَ مَا ظَهرَ مِنهَا وَمَا بَطَنَ ، اللهمَّ كُنْ لإخوَانِنَا المُسلمينَ المُستضعَفينَ في كُلِّ مَكانٍ ، اللهمَّ ضَمِّدْ جِرَاحَهُم ، واجبرْ كَسرَهم ، وَارحَمْ ضَعفَهُم وَقلَةَ حِيلتَهم ، وَخَفِّفْ عَنهُم وَطَأةَ البَلاءِ ، رَبَّنا لا تُزغْ قُلوبَنَا بَعدَ إذ هَديتَنَا ، وَهَبْ لَنا مِن لَدُنكَ رَحمةً إنَّكَ أَنتَ الوَهَّابُ ...