الكاتبه/ البتول جمال تركي
(ألا هل بلَّغت ) ....
كانت هذه الكلمات هي ختام خطبة الوداع لسيّد المرسلين والرحمة للعالمين صلى الله عليه وعلى آله وسلم ، ثمَّ ختم هذه الجملة بخبرها فقال : " اللّهم فاشهد " وأشهد الله تعالى على أنه بلَّغ رسالة ربه لتكون حجة عليهم يوم يقوم الأشهاد .
كثيراً ما تتوتر العلاقات بين الأبوين ( أو أحدهما ) وبين الأبناء داخل الأسرة الواحدة ، وغالباً ما يكون السبب عدم رضا الوالدين عن تصرفات أبنائهم أو أحد أبنائهم ذكراً كان أم أنثى ، أو اختلاف في وجهات النظر لأسلوب الحياة أو للمعتقد الديني ، فيحصل من جراء ذلك نقاش لتوضيح وجهات النظر لجميع الأطراف وغالباً ما يتسم ذلك النقاش بالبداية بالرفق والعقلانية والمنطق وإذا لم تجدي نفعاً يتحول الجدال إلى معارك كلامية وقد يتخللها ألفاظ لا تسّر أحد وبذلك يكون الآباء قد بنوا جداراً سميكاً بينهم وبين أبنائهم ولم يعد هناك مجال للتقارب مجدداً أو لتهديد الآباء بفرض عقوبات اقتصادية أو يتطور الأمر لطردهم من البيت حسب حجم المشكلة أو المصيبة التي تسبب بها هذا الابن أو ذاك .
وهنا على من يقع اللّوم ومن المخطئ والسبب في تردّي العلاقات الأسرية وفشل أدوات التواصل بينهم بشكل طبيعي ، وقد أصبحت هذه المشاكل الأسرية ظاهرة اجتماعية تطفوا على سطح الحياة اليومية لتشكل قلق وتفكك أسري لعدم وجود حلّ يرضي الطرفين .. فهل هناك حلّ؟ .
نعم فإننا نجد في القرآن الكريم جميع حلول مشاكل الإنسان ووجدتُ في قصة النبي نوح وابنه حلاً لهذه المشكلة العويصة وكيف يتعامل الآباء مع الأبناء فقد قال نوح لابنه الذي عصاه ولم يؤمن بمعتقدات أبيه فقال نوح لابنه : ( يا بُنَيَّ اركب معنا ...) والغرض هو النجاة من الغرق لعلم نوح بأنَّ الماء سوف يغرق كل شيء والأب أو الأم تتملكهم عاطفة الأبوة فيتمنون لأبنائهم الخير والنجاة ولكن هل يستجيب الأبناء ؟ الله أعلم ، ونرى بأن نوح بادر ابنه بكلمة : ( يابُنَيَّ ..) يستعطف ابنه ولكنَّ الابن عاند وأبى ورفض حتى في هذه الحالة فقرر الابن أن يأوي إلى جبل ( الحياة المادية ) ظنَّاً منه أن الجبل سوف يعصمه من الماء .
ولكم أيها الآباء والأمهات من الذين عصيت عليهم حلّ مشاكلهم مع أبنائهم وردم الفجوة الزمنية بين جيلين في هذه الحادثة القرآنية عبرة ، فليس عليكم أيها الآباء سوى البلاغ وأمَّا الهداية فمن الله وطالما أن الابن أو الابنة بلغوا سن الرشد وأصبحوا يميزون بين الصواب والخطأ ، فقد سقطت عنكم مسؤولية الاقناع أو الضغط عليهم وكما : ( لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغيّ ) فإذا كان الله تعالى لا يُكره عبداً خلقه لعبادته فكيف لمخلوق أن يجبر مخلوق آخر على اتباع ما يحب ويريد إخضاع أبنائه لما يهوى ، فقد انتهى دور الآباء في فرض آرائهم بالقوة أو بالعقوبات التي ذكرناها آنفاً ، والنبيّ نوح في النهاية إنسان وأب يحمل لابنه عاطفة الأبوة والرحمة لذلك شكى وجع وألم قلبه لله فقال : (ونادى نوح ربه فقال رب إن ابني من أهلي وإن وعدك الحق وأنت أحكم الحاكمين) فجاءه الرد صاعقاً من خالق الناس : (قال يا نوح إنه ليس من أهلك إنه عمل غير صالح فلا تسألني ما ليس لك به علم إني أعظك أن تكون من الجاهلين ) وهنا أسقط الله تعالى عن الآباء المسؤولية بعد بلوغ الأبناء سن الرشد ، فلا تخسروا أبناءكم بالجدال العقيم الذي يُفضي إلى الجفاء والعداوة أحياناً ، ولن نكون ممَّن يرمي فلذات أكباده في أحضان الشياطين لعلَّ وعسى أن يهديه الله في نهاية المطاف أو يدرك أنه على خطأ من خلال مشكلة يقع فيها أو درس رباني من دروس القدر .
بقلم 🖋️ البتول جمال التركي