- لِينا،البرغثِي .

- مَا بَيْنَ خُلوتِي وَ سَرَحانِي،تَسَاءَلْتُ إنْ كَان بمَقدُوري العَودة كَمَا كُنت،أمّ سَأمَضِي مَعَ هَذا الكَمِّ الهَائِل مِنَ التَبلُّد .

- كُنتُ فِي أَشَدّ الحَاجَة لأَنْ يحْتَضنِّي أحَدِهِم،لأَنْ يَرَى كُلَّ هَذَا الدّمْع المُتَراكِم فِي رُوحِي،لأَنْ يَرَى هَذِهِ الغَصَّة العَالِقَة فِي وَسْطِ حَلْقِي،كُنتُ بِحَاجةٍ شَدِيَدة لأَنْ أرْتَمِي غَارِقًا بِدَمُوعِي عَلَى كَتِفِ أحَدِهِم لِيُخِبرَنِي أَنَّ كُلَّ هَذَا سَيَمضِي،وَ لكِن لِشَخصٍ مَثلِي كَان هَذَا مُجَرد حُلْمُ يَقَظَة .

- قَاوِم! لا تهَزِّمنَّكَ أضْغَاثُ الحَياة .

⁣⁣‌

- مازِلْتُ أرَاهُ حَيًا .

- تَفْكِيرٌ مُفْرِط،أتَرَنَّحُ بَيْنَ كَمِد الحَياةِ وَ عُتْمَةِ الأفْكَار،بِمُجَرَّد أنْ أسْقُطَ هَاوِيًا عَلَى الفِرَاشِ،تَنْعَدِمُ الرَّغْبَة بالنَّوَم وَ تَبْدأ مَلْحَمةُ التَّفْكِير .

- يَا مَرَائِرُ الذِّكْرَى .

- أَشْعُرُ بالأُبَابَة وَ أَنَا فِي الوَطَّنَ .

- لا يَزَالُ ذِهْنِي مُشَتَّت لِدَرَجَةٍ مَرْعِبَة،مَا زِلْتُ أَسْمَعْ صَوْتُكَ،أَسْمَعُكَ تُنَادَى كَأنَّكَ قَرِيبٌ مِنَّي لَكِنَّكَ بَعِيد،أُحَاوِل فَهْمَ كَلِمَاتِك وَلَكِنِّي عَاجِزٌ عَنْ ذَلِكَ،أسْمَعُكَ هُنَا وهُنَاكَ وَ فِي كُلِّ مَكَانٍ،رَأْسِي يُؤْلِمُنِي أَشْعُرْ بِأَنَّهُ يَكَادُ أَنْ يَنْفَجِرَ،أَرَاكَ تَقِف وَسَط الْغُرْفَة،أَرَاك تَبْتَسِم لِي،أهَذَا طَيّفُكَ أَم إنَّهُ أنْتَ،هَلْ مَا أرَاهُ حَقِيقَةٌ أَوْ هُوَ مِنْ وَحْيِّ الْخَيَال،لَيسَ لَدَي أَدْنَى فَكَرِه عَمَّا يَحْصُلُ،أَظُنّ أنَّنِي دَخَلَتُ فِي مَتَاهَةِ حَنِيْنٍ ثَانِيَة،لَحْظَة،لِمَا أَنَا عَالِقٌ هُنَا،وَسَطَ هَذِهِ الفَوْضَى،ضَوْضَاءُ الذِّكرَيَاتْ،صُرَاخ،صَخَب،تَشَوَّش،وَ الْكَثِيرُ مِنَ الرُّكَام،ضَجِيْجٌ!،فَيْضٌ مِنَ الضَّجِيج،و أنْتَ لَازِلْتَ وَاقِفٌ هُنَاك،لِمَا لَا تَتَحَرَّكَ!،تَرَيَّث لِمَا تَبْتَعد!،لِمَاذا عَقْلِي يُعِيدُ كُلَّ شَيْءٍ!،أَلَمْ يَنْتَهِي كُلَّ شَيْءٍ بَعْد .

- فُرَاقكَ عَلَى الوِجْدَانِ شَدِيدُ .

- فِي غُمَرةِ هَذا الوّجُودِ المُقْلِق،وَ فِي مَرحَلةٍ مَا،يُدْرَكُ المَرءُ أنَّهُ ليسَ بِحَاجةٍ لأَيِ شيءَ بِقَدْر حَاجَتهِ لِلشُعُورِ بِالطُمَأْنِيّنة .

- فَقَدَتُ مَلَذَّات الحَياةِ مِنْ بَعْدِكَ .

- أُوَار اللَّيلَة الثَانِية :
تَسَّتطِيعَ الأَنَ أنَّ تَشْعُر بالوَضع،سَتشَّعُر بَصُّداعٍ نَصفِي يَشِلُّ قَدْرتكَ عَنْ التَّفْكِير،غُصَّة لَمْ تَشْعُر بِمِثْلهَا مِنْ قَبْلَ،تَرْغبَ بِالبُكَاء وَ لَكِنَكَ لَنْ تَسَّتَطِيعَ البُكَاء،بِقَلْبٍ مُغْتَمّ سَتَتَذكَّرْ كُلَّ شيءٍ،ذِكْرَياتُكَ تَحْتَضِرُ،مَاذَا يَحَصُّل،مَا بَالُ مَكَانِهِ فَارِغَ،لِمَاذَا أتَفَقْدُ مَكَان جُلُوسِهِ فَلَا أجِدَهُ،أينَ حُضُورِه!،رَائِحَتُهُ!،حَدِيَثهُ!،لِمَاذَا لا أسَّتَطِيعَ الشعُور بدِفْءِ يَديَهِ،أينَ الصّوَّتُ وَ أينَ صَاحِبهُ،سَتشَّعُر بَأنَكَ فِي قاعِ حَنِينٍ لا قاعَ لهُ .

- مَا كَان فَقْدكَ هَيِّناً .

- لَواعِجُ الفُراقَ :
- كَمْ لَيلةٍ سَتَأرَّقَ بِهَا،وَ لَكِن فِي اللَّيلَة الأوَلى،سَتَشَّعُر بِأَنَّ هَذِهِ اللَّيلَة لَنْ تَمُّر،وَ بِأَنَّ أطْرَافكَ مُخَدْرة بالكَامِل،لَنْ تَشَّعُر بِالَألَمْ فِي جَسَدكَ لَكِنَك لَنْ تَنَام،سَتَشَّعُر بِأَنَّ الحَياة تُوَاجَهَك عَلَىٰ وَجَه الْخُصُوصِ،وَ بِأَنَّ اللَّيْلَ مُظْلِمٌ عَلَىٰ غَيرِ العَادَة،وَ بِأَنَّ الهُدُوءَ ضَّجِيجٌ فِي الوَاقِعَ،وَ بِأَنَّ فِرَاشكَ مَقْبَرةٌ،وَ الغِطَاءَ مُجَرد كفَنَ،وَ قَلبُكَ يَئِنَ،وَ عَقْلكَ يُصَّارِعَ،سَتَسَّتفِزكَ ضَوْضَاءُ الشَارِعَ،وَ تُغْضِبكَ مُحَاولة أخِيكَ لإخْرَاجَكَ مِنْ هَذا،وَ يُزعَجَك إلحَاحَ أُمِكَ،سَتَشَّعُر بِأَنَّ الطَّعَام غَيرُ مُسْتَساغَ،وَ بِأَنَّ المَاء مَالِحٌ،سَتُلاحِظ بِأَنَّ غُرفَتَك ضَيّقة،وَ بِأَنَّ السَقَف مُنْخَفِضٌ،وَ بِأَنَّ أرْبَعَ جُدْرانَ لا تَكْفِي لِتَسْعَ كُلِّ هَذِهِ الفَوْضَى،أعْنِي تِلْكَ التِي فِي دَاخِلكَ،لَنْ يُفِيدَكَ حَتَّى الدَّواءَ،لأَنَّ الَألَمْ لَيْسَ عُضْوِي .

- فَقَدَ بعْضُنا بعْضًا .

- لَدَي رَّغْبَة مُلْحَة فِي تَرْكَ كُلِّ شَيءَ خَلْفِي،وَ أمْضِي،رَّغْبَةٌ فِي الإِنْسِحَابَ مِنْ هَذِهِ البُقْعَة،وَ مَحُو إِسِمَي وَ وُجُودِيّ مِنهَا،أنَّ أتَبَخَّرَ كَأنَّنِي لمَ أكُنَّ مَوَجُودًا فِيهَا،أرْغَبَ حقًا فِي مِسَاحَة لِتَرْمِيمَ نَفْسِي .