إننا نحفر الأرض بعمق يا نينا,
إننا نمزقها
لا نحاول إصلاح أي شيء.
إننا نترنح في دوائر
وننشد النور
حيث لا وجود لأيّ نور.
إننا نصوّب أسلحتنا
لوجوه الناس
الذين لا ننوي قتلهم
وأحياناً نقتلهم.
إننا نرمي رجالنا في جحيم الارتباط
فيرموا بعضهم تباعاً
حدّ التدمّي والانتفاخ.
إننا نحرق السرطانات الحيّة،
إننا نجلد الزناة
ونحن زناة.
إننا نسلخ الغزلان،
ونغتصب القرابين من الأطفال.
إننا نُهاجم المارة
فيموتون على الفور,
ونموت نحن
على الفور.
إننا نتلف أحداقنا بالليزر،
ونحرق بساتين الجيران،
ونشرّح أفخاذنا بالمشارط.
إننا ندير ظهورنا
للفتيات الباكيات كلّ يوم
في أول شهر دراسي للصف الأول,
لذلك سيتعلمنّ كيف يغادرننا.
إننا نلد يا نينا،
نلد دائماً دون إنقطاع.
إننا نتلفُ حتى بشرتنا الميّتة
ونفجّر الجبال كليّاً
وننسى كلّ شيء,
حتى الكلام تقريباً,
ونقرر للآخرين
حق العيش في بناية فاخرة,
ونبني متاحف
على أنقاض المجازر,
ونخطو تجاه الغاية
عابرين مستنشقي الغراء
الذين يملأون الشارع.
إننا نشمّ الغراء,
ونثمل حتى نقول أشياء لا نقصدها.
إننا نحشو أنابيباً
في قصبات جدتي،
ونحبس الفتيات في صناديق الشاحنات
ونحشو ملاءات تحتهم.
إننا نلطخ بشرتنا بالحبر
ونثقب وجوهنا,
نحوّل الجليد إلى رغوة,
ونروّض الخيول,
نتلاشى
وندفع الآخرين للتلاشي.
نشوّه الأفعال,
نتخلّى عن أشياءنا الطفوليّة,
نتجاهل من نحب
ونتحدّث عن الحب بصيغة ماضية.
إننا نقذف بأنفسنا من الطائرات
ونعنّف الأطفال,
فلا يعود بأمكانهم تحدث لغتهم الأمّ.
إننا نرمي مياه صرفنا الصحّي بالبحر
ونكذب يا نينا.
إننا نضغط بيدينا
خانقين الأشياء التي نرغب
فتصير يدينا
وحناجرنا، بيضاء شاحبة.
وهذا صحيح أيضاً,
أننا نوّزع الزبد على شرائح الخبز
بسكاكين طريّة للغاية,
ونتعهّد بعظامنا لسائق الباص،
بمؤخرة رقابنا للحلاقين،
وبصيوان آذاننا لشفاه المحبين الغائمة،
التي قد تحبنا أو ربما لا تفعل،
لكنها تلمسنا إن استطاعت.
إننا نصقل سيقان البتولا بأصابعنا
كلما مررنا قربها,
إننا نوزع دمنا
بأن جعلناه حلوى
ومنحناهُ للآخرين
كي لا يُغمى عليهم
في لحظات التعب.
إننا نرعى البتلات
التي تتبرعم من حبات البطاطا
وننتظر.
إنّا نحرق الرز ونأكله,
نطوي زوايا الكتب,
نفتّش عن وجهٍ ما
في كلّ الوجوه العابرة
فنجده أو لا.
إننا نتسلق الهضاب
ثم ننزلق عنها
ونغنّي بعينين مغمضتين,
ونغلق النوافذ أمام الغطرسة
كي نستلقي سوية,
ونسمع كل شيء نقوله,
تاركين النيران
تفعل ما تشاء بما نملك.
لأننا لحظتها لا نهتم
إن كنّا نملك قراراً لأي شيء,
من عدمه.
إننا نشعر بالوحدة,
إننا نعترف بالأفعال التي لم نقترفها
إننا نغسل أقدامنا
ونضحك حتى نمرض.
إننا نطلق السلاحف للبراري
بيقين أننا نقوم بالفعل الصحيح.
إننا نأتي
_وهي طريقة فضولية لقول أننا لا نأتي_
بالسعادات التي قد تملأنا بالوحشة
إن لم نعشها.
أخبرنا أحدهم:
أن علينا إحتراف السعادة
لنتجاوز الوحشة.
لا،
لقد أخبرنا:
أن علينا احتراف الوحشة
فنتمكن لاحقاً من تجاوزها إلى السعادة.
لا،
إننا نتجاوز ما يكمننا تجاوزه.
لا،
إننا لا نعرف حتى ما الذي بالإمكان تجاوزه.
أليس كذلك؟
أنا لا أعرف يا نينا,
لا أعرف.
شاهدتُ مرة
طفلاً يركع على ركبتيه
في وضع صلاة,
في وضع خيانة,
أو ربما لأن غضروفه قد تأذى
بعد مباراة كرة قدم,
إذاً ما الذي أعرفه؟
صادفتُ مرة
سيدة مسنّة تعاني من الآم اطرافها
ربما سبب عناق,
او الحقد,
أو الحزن,
أو رغبة ميّتة,
أو بسبب التهاب المفاصل,
أو لأنها تشتاق والدتها بشدّة,
أو ربما أن اهوالها القديمة
تعود وتولد لها الآن من جديد,
فما الذي بإمكاننا فعله يا نينا؟
سنفعل ما بوسعنا.
لا،
أنا أعرف رجلاً,
منذ سنين بعيدة,
حاول أن يحلق على الطريق العام
ليشعر بالشاحنات وهي تمرّ به
ثمّ أرجح جسده مثل ريشة للخلف
ليشعر بحقل الألغام
الذي يقع بين خط الشارع الأصفر
وقدميه الضعيفتين.
من أين للجسد أن يعرف
الوجهة التي ولدَ ليسافر إليها؟
إني اسألك.
بالنهاية خياراتنا معدودة جداً.
وإني أحب ذاك الرجل,
الذي رفض جسده الذهاب لوجهته
وأحبك
يا راحلة.
صديقتي الحبيبة واللاحبيبية:
إغفري لي.
إننا نعرف ما لا يمكننا فعله,
مثل الهلع الذي يصيبنا
قبل أن تتوهج حبات الذرة في الحقل،
مثل هلعنا حين نضع أقدامنا في حقل ألغام،
ثُمّ:
نرحل. نرحل. نرحل.
نينا
إننا نتوهّج.
التوهّج- روبن مايرز.