ارتياحهم وسرورهم ، ويتفاخرون أنهم صاروا يرون البحر المتوسط بلا عوائق بصرية من منازل الفلسطينيين ، وهذا هو الفارق الجوهرى بين جماعة الفلسطينيين وجماعة المستوطنين المرتعبين بالغرائز من مجرد رؤية الفلسطينى ، وانخلعت قلوبهم من الخوف ، وعبر ثلث "الإسرائيليين" فى استطلاعات الرأى عن الفزع الجامح ، وراحت أفواج الهجرة اليهودية لاستيطان فلسطين تتضاءل إلى حد غير مسبوق ، وعلى نحو ما جاء فى أرقام مكتب الإحصاء الإسرائيلى بتقريره السنوى الأخير ، فقد سجل أن عدد اليهود الذين جاءوا إلى الكيان تضاءل إلى 24 ألفا لا غير طوال عام 2024 ، بينما بلغت أعداد الذين تركوا الكيان بغير عودة أرقاما غير مسبوقة ، وصلت فى تقديرات "إيلان بابيه" ـ أشهر مؤرخ "إسرائيلى" ـ إلى 700 ألف فى العام الأول من الحرب ، وما انتهت إليه من دمار شامل عمرانى وسكانى على الجانب اللبنانى والفلسطينى ، لكن قوة الروح والصبر واحتمال التضحيات صنعت الفارق ، فلم تعد حركات المقاومة مجرد أسماك تسبح فى بحر الشعب ، بل صار الشعب ذاته هو المقاومة وصانعها وعامودها الفقرى ، ولا أحد بوسعه مهما امتلك من نيران الحرب وجحيمها ، أن يهزم شعبا بكامله ، فالشعوب الحية لا تفنى أبدا ، ويظل بوسعها أن تصنع الملاحم ، مهما تكاثرت صنوف الخذلان من داخلها أو من حولها ، وهو ما صنع ويصنع لحظة فلسطين الفارقة ، وقد صارت فلسطين قضية العصر كله ، فالشعب الشهيد وحده يصنع تاريخه ، ويعيد صياغة معانى الانحياز الإنسانى ، ويوقظ الضمائر المعادية للقصف والعصف وجبروت المتوحشين ، وسوف يذهب "ترامب" إلى حيث ألقت ذات يوم قريب ، وينتهى "بنيامين نتنياهو" وصحبه إلى مزابل التاريخ ، فلم يحدث أبدا فى التاريخ ، أن ملك شعب جرى احتلاله ذات القوة المسلحة الباطشة لعدوه ، لكن الصبر المؤمن والمقدرة الفائقة على التحمل تصنع الفارق فى النهاية ، وتؤدى إلى إنهاك العدو المحتل مهما تعاظمت قوته ، ومهما حصل على دعم المتخاذلين وجحافل الخونة للضمائر والأوطان .
وفى حروب العصر غير المتناظرة ، لا ينتصر الأقوى ولا يحقق أهدافه كاملة ، ولا ينهزم الأضعف إلا إذا استسلم ، وفى الحرب الأخيرة ، لم تنتصر "إسرائيل" ولا انكسرت "غزة" ، ولن تنكسر الضفة ولا القدس ولا فلسطين المحتلة بكاملها ، وتأمل ما حولك من فضلك ، فحيث توجد المقاومة يولد الصمود ، وحيث تغيب تضيع الأرض ، فى جنوب سوريا تزحف "إسرائيل" كأنها فى نزهة خلوية ، وفى جنوب لبنان تواجه التحدى الشعبى الغلاب المنتصر بإذن الله ، ومع رئاسة "ترامب" وبلطجتها تتضاعف المخاطر ، ويلتهب مشهد المنطقة كلها ، وقد قال بنفسه فى اجتماع مع "الأيباك" ذات يوم قريب ، أنه يسعى لجعل "إسرائيل" ـ كما أمريكا ـ عظيمة مرة أخرى ، وهو يندفع كالثور الهائج إلى إشعال جبهات ساكنة مع مصر بالذات ، بدعوى سعيه ـ كما يزعم ـ إلى فرض السلام بالقوة (!) ، وفى مجرى الصراع طويل الأمد ، تبدو بلطجة "ترامب" كنعمة لا نقمة علينا ، فهو يسقط أقنعة الخداع عن وجه أمريكا القبيح ، ولا يلف ويدور كما سلفه "بايدن" مثلا ، الذى دعا أول الحرب إلى تهجير الفلسطينيين بلغة مستترة ، وطالب مصر بما أسماه "فتح الحدود للفلسطينيين" ، ولقى وقتها رفضا جهيرا ، لن يلقى "ترامب" أقل منه ، مهما كانت العواقب والعقوبات ، فالشعب الفلسطينى قال كلمته ، ويقولها الشعب المصرى قبل حكامه ، وقد أعلنها الرئيس السيسى بوضوح ، فلن يسمح "الرأى العام المصرى" لحاكم بالمشاركة بظلم الفلسطينيين وتهجيرهم وتصفية القضية المقدسة.
[email protected]