فـِڪـْـر

لا تَخضَعَنَّ لِمَخلوقٍ عَلى طَمَعٍ
فَإِنَّ ذَلِكَ وَهنٌ مِنكَ في الدينِ
وَاَستَرزِقِ اللَهَ مِمّا في خَزائِنِهِ
فَإِنَّما الأَمرُ بَينَ الكافِ وَالنونِ
إِنَّ الَّذي أَنتَ تَرجوهُ وَتَأمَلُهُ
مِنَ البَرِيَّةِ مِسكينُ اِبنُ مِسكينِ
ما أَحسَنَ الجود في الدُنيا وَفي الدينِ
وَأَقبَح البُخل فيمَن صِيغَ مِن طينِ
ما أَحسَنَ الدين وَالدُنيا إِذا اِجتَمَعا
لا باركَ اللَهُ في دُنيا بِلا دينِ
لَو كانَ بِاللُّبِ يَزدادُ اللَبيبُ غِنىً
لَكانَ كُلُّ لَبيبٍ مِثل قارونِ
لَكِنَّما الرِزقُ بِالميزانِ مِن حَكَمٍ
يُعطي اللَبيبَ وَيُعطي كُلَّ مَأفونِ

- علي ابن ابي طالب ؏

استوقفني هذا المقطع من الكلام وجعلني أغوص في التفكير :

" فإن الإيمان بدون إرادة موجود عند بقية المخلوقات "

كيف نميز الكامل والعاقل من دون النظر الى اختياراتة اذا كان مسلوب الارادة

قال أمير المؤمنين علي عليه السلام: واعلموا رحمكم الله أنكم في زمان القائل فيه بالحق قليل، واللسان عن الصدق كليل، واللازم للحق ذليل، أهله معتكفون في العصيان، يصطلحون على الادهان، فتاهم عارم وشائبهم آثم، وعالمهم منافق وقاريهم مماذق ولا يعظم صغيرهم كبيرهم، ولا يعول غنيهم فقيرهم .

كل إنسان يريد أن يكسب مالاً ليكون سعيداً، فينفق كل جهوده ويكرس أفضل جوانب حياته من أجل كسب المال، ثم يتم نسيان السعادة، ويُتخذ المال كهدف وتتحول الوسيلة إلى غاية

* لذلك، إذا كانت السعادة هي الغاية، فهناك جوانب عديدة تتحقق بها السعادة، ولا يؤطر السعادة بالمال فقط هذا اذا كانت السعادة غايته اكررها

﴿ فَخَرَجَ عَلَىٰ قَوۡمِهِۦ فِي زِينَتِهِۦۖ قَالَ ٱلَّذِينَ يُرِيدُونَ ٱلۡحَيَوٰةَ ٱلدُّنۡيَا يَٰلَيۡتَ لَنَا مِثۡلَ مَآ أُوتِيَ قَٰرُونُ إِنَّهُۥ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٖ ﴾  
كثير في حياتنا مثل قارون، وكثير من يقولون: ياليت لنا مثل ما أوتي قارون.

اصعد إلى مرتفع شاهق، أو لنفرض بناية عالية، وانظر إلى الناس من تحتك؛ تراهم متساوين، يكاد لا يختلفون، متشابهين في ملبسهم وقوامهم، حتى ثيابهم لا تُميّز لونها ولا "ماركتها"، ولا تُميّز الحسن من القبيح. وكلما ازددت ارتفاعًا، تضاءلوا، ولا تراهم إلا أجسامًا متشابهة تمامًا. هنا تساءل هذا المخلوق الضعيف: كيف يتجاوز حدود ربه؟ وعندما تختلط بهم، ترى الكثير يتباهى بجماله و ثيابه، ويتفاخر بنسبه وقبائله، مثل: "أنا عشيرتي أو قبيلتي الفلانية، أنا ابن فلان الفلاني، وأنا بظهري الحزب الفلاني". "لماذا هذا التكبر؟ لماذا هذا الغرور؟" والإنسان يعلم أنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضررًا، وآخرته حفرة يساوى فيها مع الأرض، ولا يُعد شيئًا مذكورًا.

فكّر في واجبك كما تفكّر في حقّك، واعمل طلبًا للإتقان والكمال لا طلبًا للشهرة والجزاء، ولا تنتظر من الناس أكثر ممّا يحقّ للناس أن ينتظروه منك.

لا تجادل في كل شيء حتى وإن كنت على حق. الجدال يحط من قدر الإنسان؛ فعندما تجادل أحمق فأنت تجهد نفسك فقط، وإن علمته في نقاشك كأنما أعطيت ذهباً لجاهل لا يعرف قيمة معدنه، وإن جادل من يفوقك عرفك ما أنت وهجرك. وحتى إن انتصرت في جدال، فسينالك العجب والفخر، وهذا ما يردك إلى السفاهة ويقعدك عن التعلم والتقدم وطلب المعرفة.

استقامتك لا تُعطيك الحق في السخرية مِنْ ضَلال غيرك ، فلا تنظر إلى العاصي نظرة إستعلاء،
فالقلوب بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كما يشاء، فحين اختارك الله لطريق هدايته ليس لأنك مميز أو لطاعة منك بل هي رحمة منه شملتك قد ينزعها منك في أي لحظة
لذلك لا تغتر بعملك ولا بعبادتك ولا تنظر باستصغار لمن ضل عن سبيله ،
فلولا رحمة الله بك لكنت مكانه وإياك أن تظن أن الثبات على الاستقامة أحد إنجازاتك
الشخصية ،

إذا أراد الانسان أن يفكر بحرية ويشاهد الاشياء بوضوح وبصيرة، فعليه أن يمارس بنفسه الكشف والتحليل والتحقيق ويجتهد حتى يتوصّل إلى حقائق الأمور ويحذر التقليد ويتجنب اجترار قناعات الآخرين، وعليه أن لا يتأثّر بشخصية الأبطال والعظماء والقادة لأنّ الحق هو المعيار في تقييم الرجال وليس العكس .. يقول امير المؤمنين : أعرف الحق تعرف أهله

حين يرى المثقف نفسه مشبعا بالعلم، وينال دراسات عالية، ويكتسب معلومات واسعة ورفيعة، ويرى أساتذة كبارا وكتبا مهمة، ويجد الآراء والنظريات البديعة ويتعلمها، يجد في نفسه رضى وغرورا، ويظن أنه بلغ من الناحية الفكرية إلى أقصى ما يمكن أن يبلغه الإنسان من الوعي.

وهذا انخداع يبتلى به العالم أكثر من غيره. إذ لا يظن الأستاذ، أو الفيزيائي، أو الفيلسوف، أو الصوفي الكبير، أو الأديب، أو المؤرخ أنه يمكن أن يكون لا شيء من الناحية الفكرية، وأنه في مستوى العوام أقل شعورا. وحتى الأمي الذي لم يأنس الخط أرقى منه منزلة في الدراية الشخصية، وفي معرفة المجتمع، ومعرفة الزمان لكنه كذلك.

إن كون العالم جاهلا وبقاء المثقف عاطلا عن الشعور، أو إعطاءه العناوين والألقاب البارزة، كالدكتور والمهندس والبروفيسور وامثالهم لحالة مؤلمة جدا، فيما إذا كان فاقدا للفهم والشعور بالمسؤولية تجاه الزمان، وحركة التاريخ التي تأخذه معها هو والمجتمع.

ليس ثمة جهل أكبر وأخطر من الجهل الذي يهيمن على صاحبه شعور خادع بأنه على معرفة بحقائق الأمور

البواطن التي نجاهد في إخفائها هي حقائقنا وليس ما نلبس من ثياب وما ندلي به من تصرفات.. انظر في باطنك وتفكر وتأمل تعرف ما تخفيه تعلم أين مكانك في الدنيا وأين مكانك في الآخرة

‏أولى مراحل ضبط النفس: علمك أنها لن تنضبط أبدًا، وأنك معها في توجيه دائم، وتقويمٍ مستمر؛ على هذا فطرت، وعلى هذا ستبقى. فلا تجزع من الميل جزع اليائس، ولا تغرنك الاستقامةُ غرور الآمن

الكلمة الطيبة لا تُؤثّر فقط في الآخرين، بل تؤثّر على كيانكم الداخلي. فعندما تقولون: "أنا شجاع، أنا خلوق، أنا متقي"، هذه الكلمات تجعل ذرات أبدانكم تتشكّل تشكيلًا لطيفًا، مما يُقيم أيديولوجية أفضل.

- الكلمة الطيبة صدقة -

أتساءل ماذا يحدث لو في لحظة من اللحظات، خرج الإنسان من عبودية نفسه وأحرجها بأسئلة التشكيك في كبريائها، وكيف يكون الشعور؟ هل سيولد من جديد أم يتجرد من هذا السجن المادي ويحلق ليرى من بعيد حقيقة الأشياء؟ ماذا يحدث يا ترى؟

روي عن الامام علي:
- طلبت الراحة لنفسى فلم أجد شيئا أروح من ترك ما لا يعنيني

يبين لنا ان طريق راحة الأنسان بترك الفضول والتدخل في شؤون الآخرين والانشغال بما لا يعنيه و الانسان يستهلك الوقت والطاقة دون فائدة، وتركيز الانسان بنفسه في دينه ودنياه هو أساس النجاح والسلام

على الإنسان تمييز الأفراد في بيئته من حوله، فإذا كان فرد منحرفًا من الناحية الأخلاقية أو العلمية أو الفكرية، فهو قادر على حرقك وأنت لا ترى ولا تدرك ذلك ، بحيث يلقي في ذهنك أفكارًا سيئة من النواحي المذكورة. وهذه الأفكار تؤثر في قلب الإنسان، مما يحفز الرغبة والعزم لديه على الأفعال والسلوكيات المنحطة، أو تسبب الإحباط والضجر والملل، وهي أهم عوامل التخلف والفشل في الحياة.

عن الإمام علي(؏) :

لا يجد عبد طعم الإيمان حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الضار النافع هو الله عز وجل.

- خففوا شويه عن انفسكم لا تاكل بروحك ملامه

أن للمجالسة أثراً عجيبًا على الإنسان في أفكاره أو منهجيته للحياة، فعليه أن يحرص في اختيار من يجالسهم أو يرتادهم لما يحقق له من وضوح الطريق الصحيح والمنفعة المعنوية في التعامل مع الحياة، فلا يجعل اختياره للمجالس من أجل التسلية أو قضاء الوقت. وكما قال سيد البلغاء (ع):

تنزه عن مجالسة اللئام وألمم بالكرام بني الكرام
ولا تك واثقا بالدهر يوما فإن الدهر منحل النظام.

إن الإنسان الذي له شيطان قرين، وهذا الاقتران في الذات، وفي الباطن.. هل هذا الإنسان تنفعه المساجد،؟.. وهل تنفعه المواعظ؟.. وهل تنفعه الثقافة العامة، والكتاب؟.. وهل تنفعه العبادة؟.. إذا كان من الداخل لا هوية له، فماذا ينفعه الوجود الخارجي؟!..