قال:
شَكَوتُ إلى أمّي قائلاً: حَسَبتُ ما أُنفِقُه في سبيل دراسة الأولاد سَنَوِياًّ مِن مَدارسَ ودُورِ تحفيظ فوجَدتُ لو أنِّي جمّعتُه لَبَنَى لي كُلّ سَنَةٍ شُقّةً على الأقَلّ، أو شَرَيتُ سيّارةً لا بأس بها، أو حَجَجتُ منه وبَقِيَ، أو اعتمَرْتُ وعَمَّرتُ غَيري، أو سافرتُ إلى هنا وهناك!
فقالت:
أوَّلاً، احمد الله أن رزَقكَ عائلةً تأكل معك وتُشاركُك نفقاتك؛ وتذَكَّر ذا الثراءِ الذي لا ولَد له.
ثانياً: اشكُر الله على فضله؛ أنْ سَتَرَك وفتَح عليك من الدنيا ما تَقْدِر به على تحمُّل نفقاتِ دراسات أولادك، فاللهُ أعطاك الطاقة قبل أن يُحَمِّلَك.
ثم ما يُدريك أنّ ما تَجنيه من رِزق إنما هو بسبب إنفاقك على هؤلاء الضَّعَفة في سبيل العلم والصلاح؟! تُنفِقُ وخيرُ الرازقين يُخلِف.
ولولا ذلك الإنفاقُ لرُبَّما لم تَجِد نَقداً تَحْسَبُه أو مالاً تُعَدِّدُه!
ألاَ فاحذَر أنْ تكون ممن قال الله فيه: {يقول أهلكتُ مالاً لُبَداً، أيحسب أن لم يَرَهُ أحد}!
ثالثاً يا ولَدي! أظُنُّك تعرف رجالاً بذَلوا تضحياتٍ وتحمَّلوا ديوناً من أجل دراسة أبنائهم وبناتهم!؟ ولو أرادوا لوَجَّهوهم إلى الدنيا ليساعِدوهم في جمعها كما كان يفعل أقرانٌ لهم كثيرون.
لكنّهم كانوا يبنون أُمّةً، وآخَرون كانوا يَبنون خراباً؛ ونتائج بنائهم شاهدةٌ.
فكُن أنت أيضاً -يا ابنِي- بانياً لأُمَمٍ في العلم والإصلاح، ولا تدَّخِر فِلساً ولا تأْلُ جُهداً ولا طاقة فِي سبيل ذلك، وما أبقاه الله لك بعدُ مِن دِرهمٍ أو دِينار فاعتبِره نافلةً منه وفضلاً، وفي قَبرِه يَعرِف المرءُ نتاجَ عمَله.
https://t.me/drtahirdocs/1137