١. الجذور النفسية والتطور المبكر لكل من الشخصية الفصامية والحدية
يعود الفرق الأساسي بين الشخصية الفصامية (Schizoid) والحدية (Borderline) إلى الطريقة التي عايش بها الطفل العلاقة مع الأم (أو مقدم الرعاية الأساسي) في المراحل الأولى من الحياة.
أ. الشخصية الفصامية: الخوف من الذوبان في الآخر
• الطفل الفصامي تعرض لبيئة باردة أو مُنفّرة عاطفيًا، حيث لم يكن هناك استجابة مناسبة لاحتياجاته العاطفية.
• في بعض الحالات، قد تكون الأم متطفلة جدًا، مما جعل الطفل يشعر بأنه “مخترق” نفسيًا، وغير قادر على حماية ذاته الداخلية.
• استجابة الطفل لهذا الوضع كانت الانسحاب النفسي، إذ قام بتطوير إستراتيجية دفاعية تقوم على الانفصال عن المشاعر والرغبات، مما أدى إلى ظهور “النواة الفارغة” التي تحدث عنها جيفري سينفيلد.
• هذه النواة الفارغة تجعله يشعر بأنه “غير موجود” أو “مقطوع عن العالم”، مما يدفعه إلى بناء عالم داخلي مستقل بعيدًا عن الآخرين.
ب. الشخصية الحدية: الخوف من الهجر والانفصال
• الطفل الحدّي عايش تجربة عاطفية غير مستقرة؛ حيث كان مقدم الرعاية متغيرًا في استجاباته—أحيانًا حنونًا جدًا، وأحيانًا قاسيًا أو غير متاح.
• هذه البيئة المتناقضة جعلت الطفل في حالة من الخوف المستمر من أن يتم التخلي عنه، مما دفعه إلى تطوير سلوكيات متطرفة للبحث عن الأمان العاطفي.
• الحدّي ينمو وهو يشعر بأنه “لا يمكن الاعتماد على الحب”، فيسعى بجنون إلى جذب الانتباه، لكنه سرعان ما يشعر بخيبة أمل عند أول إشارة رفض.
النتيجة:
• الفصامي اختار العزلة لحماية نفسه من التطفل العاطفي.
• الحدّي اختار البحث المستميت عن الحب بسبب خوفه من الفقدان.
٢. كيف يرى كل من الفصامي والحدّي العلاقات الإنسانية؟
أ. الفصامي: العلاقات كتهديد للذات
• يرى العلاقات كتهديد لذاته المستقلة.
• كلما زاد قرب شخص منه، كلما شعر بأنه سيفقد ذاته أو سيتم “ابتلاعه” نفسيًا.
• يفضل العيش في عالم فكري أو خيالي حيث يستطيع التحكم بالمسافة بينه وبين الآخرين.
• عند الدخول في علاقة، قد يلعب دور الشخص “الآلي” الذي يتفاعل ظاهريًا ولكن دون مشاعر حقيقية.
ب. الحدّي: العلاقات كطوق نجاة
• يرى العلاقات كمصدر وحيد للأمان النفسي.
• يحاول دمج ذاته مع الآخر، لكنه يخشى في الوقت نفسه أن يتم التخلي عنه.
• يُسقط مشاعره المتطرفة على الشريك، فيتحول من الحب العميق إلى الكراهية الحادة عند الشعور بالإحباط.
• يختبر الآخر بشكل مستمر (مثل تهديده بتركه لمعرفة مدى تمسكه به).
النتيجة:
• الفصامي يخشى أن يصبح الآخر جزءًا منه.
• الحدّي يخشى أن يبتعد عنه الآخر ويتركه وحيدًا.
٣. كيف يستجيب كل من الفصامي والحدّي للألم العاطفي؟
أ. الفصامي: الألم كشيء يجب تجنبه عبر الانفصال
• عندما يشعر الفصامي بالألم العاطفي، فإنه يلجأ إلى استراتيجيات دفاعية تقوم على الانفصال العاطفي (Emotional Detachment).
• قد يرفض الاعتراف بأنه متألم، أو يتعامل مع ألمه بطريقة تحليلية باردة.
• قد ينخرط في أنشطة فكرية أو إبداعية كوسيلة للهروب من المشاعر.
• يمكن أن يظهر على شكل شخص متبلد المشاعر أو حتى غير مهتم بما يجري حوله.
ب. الحدّي: الألم كشيء يجب الشعور به بحدة
• الحدّي يواجه الألم العاطفي بطريقة عكسية؛ فهو يعيشه بأقصى درجة ممكنة.
• قد يلجأ إلى سلوكيات اندفاعية مثل إيذاء النفس أو تعاطي المخدرات أو الإفراط في العلاقات الجنسية كمحاولة للهروب من مشاعره السلبية.
• يعاني من “فراغ داخلي” يجعله يشعر بأنه بحاجة مستمرة إلى الإثارة العاطفية، حتى لو كانت سلبية.
النتيجة:
• الفصامي يهرب من المشاعر، والحدّي يغرق فيها بشكل مدمر.
٤. كيف يتفاعل الفصامي والحدّي مع العلاج النفسي؟
أ. الفصامي: مقاومة التفاعل العاطفي
• لا يرى نفسه بحاجة إلى العلاج لأنه “لا يشعر بشيء”.
• قد ينظر إلى المعالج كشخص يحاول “اقتحام” خصوصيته.
• يحتاج إلى معالج صبور يسمح له ببناء الثقة تدريجيًا دون إجباره على الانفتاح بسرعة.
ب. الحدّي: تذبذب بين التعلق والرفض
• يمكن أن يصبح متعلّقًا بالمعالج بشكل كبير، ثم فجأة يشعر بأنه لا يستطيع الوثوق به.
• قد يختبر المعالج عن طريق دفعه إلى أقصى الحدود (مثل تهديده بإيذاء النفس).
• يحتاج إلى معالج يستطيع وضع حدود واضحة، مع توفير بيئة آمنة تسمح له بالتعبير عن مشاعره دون خوف.
النتيجة:
• الفصامي يتجنب الارتباط العاطفي بالمعالج.
• الحدّي يتشبث بالمعالج ثم يدفعه بعيدًا.
٥. كيف يختلف تأثير كل من الفصامي والحدّي على الآخرين؟
أ. تأثير الفصامي: الحضور الغائب
• يميل إلى أن يكون “غير مرئي” في المجموعة.
• يتجنب المواجهات ولا يثير المشاكل، لكنه لا يُظهر تعاطفًا أيضًا.
• قد يُشعر الآخرين بأنه بعيد أو غير مهتم بهم عاطفيًا.