أفتقد تلك اللحظات التي كنا نغرق فيها معًا في بحر الكلمات والألحان، نغسل أيدينا من ضجيج العالم لنغرق في أعماق الأغاني وكأنها مرايا تكشف لنا أسرارًا خفية. كنتُ أسمع كل لحن وكأنني أسمعه لأول مرة، لكنني كنتُ أدرك في أعماقي أنني لست وحدي من يملك هذه القصة؛ كانت الأغاني بالنسبة لنا أكثر من مجرد كلمات، كانت إشاراتٍ مرسلة من زمن بعيد، رسائل غامضة نفهمها فقط نحن، كما لو أننا نمتلك لغة لا يفهمها سوانا.
أفتقد كيف كان كل حرف في الأغنية يتحول إلى قصة نرويها معًا، وكل لحن يحمل أصداءً لأرواحنا. كنا نعيش في عالم مختلف، ننسج معاني جديدة من كل نغمة وكل كلمة، نمنح كل لحظة معنى أعمق من ظاهرها. كيف كان بإمكاننا أن نرى في أغاني لا يسمعها الآخرون إلا كأصوات عابرة، حكايات تلامس أعماقنا وتجيب عن أسئلة قلبية لم نجد لها جوابًا.
كنتُ أشتاق إلى تلك اللحظات حين كنا نجلس معًا ونبتسم عندما نرى اسم أغنية جديدة، وكأنها سرٌ تم فتحه فقط لنا، كلمات في عالمنا الخاص، كلمات من لحم ودم، تملأ الفضاء بيننا بمعانٍ أعمق من الحياة نفسها. كانت كل أغنية تحتوي على قصة غائبة في ذاكرتنا، وكل اسم يحمل في طياته شيئًا نعرفه أكثر من أي شيء آخر، شيئًا كان يربط بين أرواحنا بصمت، قبل أن نتمكن حتى من النطق به.
الآن، كلما مرت أغنية عابرة أمامي، أشعر بكلماتها تتسلل في قلبي كأنها تذكرني بشيء مفقود، ذلك الحنين الذي لا يُقاس، الحنين إلى عالمنا الذي كان مليئًا بالأسرار. أفتقد تلك اللحظات التي كنا نخلق فيها الجمال من كل شيء، وكأننا نحاول أن نحارب
_لـَيث بَن ثائر.