(حلقة رابعة من ١ : ٥)
✍️ بقلم المستشار / احمد محمد نعمان -محامٍ وكاتبٌ يمني
👈 تُعتبَر الإجراءات القانونية جزءاً أساسياً من النظام القضائي حيث تهدف إلى تحقيق العدالة وضمان حقوق الأفراد و في هذا السياق، تَبرُز أهمية التمييز بين مفهومين أساسيين في مرحلة التحقيق، وهما (سؤال المتهم)و("استجوابه") فبينما يُمثل سؤال المتهم الخطوة الأولى عند التحقيق والتي يتم فيها إحاطته بالتهمة المنسوبة إليه وتدوين أقواله دون أن يستتبعَ ذلك توجيه أسئلةٍ إليه ثم يأتي الإستجواب بعده كمرحلة متأخرة يتم فيها مناقشة المتهم بالتهمة المنسوبة إليه والأدلة المقدمة ضده تفصيلا وسوف نستعرض لكم اليوم أهمية الفروق الجوهرية بين هذين الإجراءين وأثرهما على سير التحقيق وضمان حقوق المتهم:
👈 سماع أقوال المتهم:
فإن المتأمل في أحوال بعض من وكلاء النيابة وأعضائها نجدهم يعانون من عدم التفريق بين سماع المتهم لِأول مرة وبين استجوابه حيث تكاد كل الإجراءات تقريبا تتشابه وتتماثل في مراحل التحقيق وإن تعددت واختلفت إلا أنها صارت ضربا واحداً للأسف الشديد فلا يفرق البعض من وكلاء وأعضاء النيابة بين الإستجواب وسؤال المتهم والكثير والكثير من أعمال التحقيق تجري بأسلوب مخالف وبشكل عشوائي لا يُراعى فيها قانون ولا يُلتَزم فيها بمبادئ العدالة ولا حقوق المتهم فالمتهم ضحية جهل قاضي التحقيق في تناول القضايا ومباشرة التحقيق فيها.
👈 ليس بالأمر النادر أن نجد نيابة ما وبمجرد وصول المشكو به إليها يبدَأُ تعاملها معه وكأنه مدانٌ محكوم عليه، وحتى المدان أحيانا لا يجوز معاملته بذلك الشكل
ومن هذه المظاهر التي يغيب عنها امتثال القانون والتزام الحيدة الذي يُعد إخلال بها مؤديا للبطلان، ومن ذلك ما يقوم به بعض المحققين أثناء الجلسات الأولى لها مع المشكو به والتي أُلزِمَت فيها النيابة بلزُوم عدم استجوابه حتى يتم سؤاله، فاللازم على النيابة أن تبدأ عند حضور المتهم (لأول مرة) أمامها أن تقتصر على إحاطته علما بالتهمة المسندة إليه وإثبات أقواله بشأنها في المحضر دون أن تواجهه بأسئلة وهو ما لم يلتزم به بعض من قضاة التحقيق في النيابة العامة والتي كما ذكرنا تتعامل معه من أول وهلة وكأنه متهم وهي بذلك تكون قد أهدرت ضمانات حقوق المتهم في مرحلة التحقيق والتي لايمكن ضمانها بدون احترام الإجراءات القانونية المنظمة لعملها ولعل من أهم تلك الضمانات التي يكثر إهدارها هو ما نصت عليه المادة (41) من تعليمات النيابة العام بالقول: (يجب التفرقة بين سؤال المتهم واستجوابه، فسؤال المتهم يكون عند حضوره لأول مرة في التحقيق ويقتصر على إحاطته علما بالتهمة المسندة إليه وإثبات أقواله بشأنها في المحضر دون أن يستتبع ذلك توجيه أسئلة إليه، أما الإستجواب فهو مواجهة المتهم بأدلة الدعوى ومناقشته فيها)
👈 الاستجواب:
يُعتبَر الإستجواب إجراء من إجراءات التحقيق وهو مناقشة المتهم فيما هو منسوب إليه من الوقائع ومواجهته بالادلة التي قُدّمَت ضده وله أن ينكر ويُفنِّد مايُوجّه إليه أو يعترف بهه.
وتحتاج عملية الإستجواب إلى معرفة ظروف الماثل أمام التحقيق والتي من شأنها أن تفيد المحقق في اكتشاف نواحي الواقعة وظروفها مما يُقرّب عنايته أكثر من القضية وصولا إلى تثبيت أصل البراءة لدى المتهم أو التقرير بتقديمه للمحاكمة أو غيره من القرارات على بصيرة ورشد.
👈 كما أنه من الواجب عند قيام المحقق بالإستجواب مراعاة طريقة طرح الأسئلة إذ يجب أن تكون بشكل مُتَّزن وعقلاني وغير متحامل على المُحَقَّق معه ويجب أن تكون بنمط مرتب كما يجب أن تكون تلك الأسئلة مصبوغةً بصبغة جوهرية جدا وهي أن يستشف المطلع عليها بأن المحقق لم يَظهَر بمَظهَر مَن يُريد أن يستخرج اعترافا من الشخص المدعى عليه بل إنه يريد الوصول إلى الحقيقة ولا يبنغي لأسئلته أن تُظهر رغبَتَه في توجُّه القضية والإجابة نحو التجريم أو نحو جهة بعينها بل تكون الأسئلة ذات عينين وأقصد بقولي ذلك هو أن يكون من طبيعة السؤال إجابة تضيء الطريق من جانبيه فلا يكون السؤال واستجواب المتهم باحثاً عن الجانب الجنائي بل يتأكد من وجود الجانب المدني أيضا ولا يكون السؤال وإستجواب المتهم باحثا عن الإثبات بل مُفيدا في النفي فيكون مُتّزنا يسير بجناحين فهو شخص لا يَجُرُّ التحقيق خلفه ويسير به حيث يريد ولكن يجعل ما يتوصل إليه من التحقيق ما يحقق به العدالة ويحمي به المجتمع فأين هذا كله من واقع التحقيق الذي يقوم به بعض وكلاء وأعضاء النيابة للأسف !
👈 ولعل مما يجدر التنبيه عليه وينبغي ذكره هو أن الأصل في المحقق أن لا يفقد سيطرته على نفسه وعلى مسار التحقيق وذلك عند مواجهة المتهم بالأدلة الموجة ضده في حال ما إذا واجهه المتهم بالسكوت ويجب أن تكون أسئلتُه قصيرة واضحة المعالم يفهمها المُستَجوَب تماما ولا تكون عبارة عن فخٍ يُنصِّبه المحقق لمن يستجوبه.