📗 درس -18- 📗
✍..وقد قال أبو أمامة بن سهل بن حنيف: دخلت أنا وعروة بن الزبير على عائشة رضي الله عنها فقالت: ((لو رأيتما رسول الله صل الله عليه وسلم في مرض له، وكانت عندي ستة دنانير - أو سبعة - فأمرني رسول الله صل الله عليه وسلم أن أفرقها. قالت: فشغلني وجع النبي صل الله عليه وسلم، حتى عافاه الله.
ثم سألني عنها فقال: اما فعلتِ؟ أكنتِ فرقت الستة الدنانير ؟ فقلت : لا، والله لقد كان شغلني وجعك. قالت: فدعا بها، فوضعها في كفه،
فقال: «ما ظن نبي الله لو لقي الله، وهذه عنده؟». وفي لفظ : اما ظن محمد بربه لو لقي الله، وهذه عنده؟» .
🔹فيا لله! ما ظن أصحاب الكبائر والظلمة بالله إذا لقُوه، ومظالم العباد عندهم❓
🔸فإن كان ينفعهم قولهم: حسَّنا ظنوننا بك، لم يعذبا ظالم ولا فاسق. فليصنع العبد ما شاء، وليرتكب كل ما نهاه الله عنه، وليحسن ظنه بالله؛ فإن النار لا تمسه!
💥فسبحان الله، ما يبلغ الغرور بالعبد! .
🔹وقد قال إبراهيم لقومه: ((أَئِفْكًا آلِهَةً دُونَ اللَّهِ تُرِيدُونَ (86)فَمَا ظَنُّكُم بِرَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصافات/ ٨٦ -٨٧] أي: فما ظنكم به أن يفعل بكم إذا
لقيتموه، وقد عبدتم غيره؟
🔸ومن تأمل هذا الموضع حق التأمل علم أن حسن الظن بالله هو حسن العمل نفسه. فإن العبد إنما يحمله على حسن العمل حسن ظنه بربه أن يجازيه على أعماله، ويثيبه عليها، ويتقبلها منه.
🔹فالذي حمله على العمل حسن الظن، وكلما حسن ظنه حسن عمله، وإلا فحسن الظن مع اتباع الهوى عجز، كما في الترمذي والمسند من حديث
شداد بن أوس عن النبي صل الله عليه وسلم أنه قال: «الكيس من دان نفسه، وعمل لما بعد الموت. والعاجز من أتبع نفسه هواها، وتمنى على الله »
🔸وبالجملة، فحسن الظن إنما يكون مع انعقاد أسباب النجاح. وأما انعقاد أسباب الهلاك، فلا يتأتى إحسان الظن .
🔹فإن قيل: بل يتأتى ذلك، ويكون مستند حسن الظن سعة مغفرة الله ورحمته وعفوه وجوده، وأن رحمته سبقت غضبه، وأنه لا تنفعه العقوبة ولا يضره العفو.
🔸قيل: الأمر هكذا، والله فوق ذلك، وأجل وأكرم وأجود وأرحم. ولكن إنما يضع ذلك في محله اللائق به، فإنه سبحانه موصوف بالحكمة، والعزة، والانتقام وشدة البطش، وعقوبة من يستحق العقوبة .
🔹فلو كان معوَّل حسن الظن على مجرد صفاته وأسمائه لاشترك في ذلك البر والفاجر، والمؤمن والكافر، ووليه وعدوه. فما ينفع المجرم أسماؤه وصفاته، وقد باء سخطه وغضبه، وتعرض للعنته ، وأوضع في محارمه، وانتهك حرماته؟
🔸 بل حسن الظن ينفع من تاب، وندم، وأقلع،
وبدل السيئة بالحسنة، واستقبل بقية عمره بالخير والطاعة، ثم حسن الظن. فهذا حسن الظن، والأول غرور! والله المستعان.
🔹ولا تستطِل هذا الفصل، فإن الحاجة إليه شديدة لكل أحد، ففرْق بين حسن الظن بالله وبين الغِرة به.
📖 قال تعالى: ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُولَٰئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللَّهِ ۚ )) (البقرة/ ٢١٨)، فجعل هؤلاء أهل الرجاء، لا
البطالين والفاسقين .
📖 وقال تعالى: ((ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هَاجَرُوا مِن بَعْدِ مَا فُتِنُوا ثُمَّ جَاهَدُوا وَصَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِن بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَّحِيمٌ)) ( النحل/ ١١٠)، فأخبر سبحانه أنه بعد هذه الأشياء غفور رحيم لمن فعلها.
فالعالم يضع الرجاء مواضعه، والجاهل المغتر يضعه في غير مواضعه.
=================
📖 المصدر :
كتاب الداء و الدواء _ابن القيم_ (ص47/ 50)
لا يسمح بتعديل كلام الشيخ بارك الله فيكم تنقل الفائدة او المنشور غير معدل
🔰 انشروا العلم فالدال على الخير كفاعله