ليلة النِّصف مِن شعبان: (هذه الليلة)
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه، عن النبي ﷺ قال: (يطَّلع الله عز وجل على خَلقه ليلة النصف من شعبان، فيغفر لجميع خلقه إلا لمُشرِك أو مُشاحِن).
والحديث رُوِي مرفوعًا عن جماعة مِن الصحابة، وهو بمجموع طرقه وشواهده لا ينزل عن رتبة (#الحسن )، وصحَّحه وقوَّاه جماعةٌ مِن الأئمة قديمًا وحديثَا، وممن صحَّحه مِن المعاصرين: الشَّيخ شعيب الأرناؤوط رحمه الله.
ـ وأما حديث: "إذا كانتْ ليلة النصف من شعبان؛ فقوموا ليلها وصوموا نهارها..." بتمامه؛ فهو #ضعيف_جدا.
⚫ وهي ليلةٌ يُستجاب فيها الدعاء.
قال الشافعي: "بلغَنا أنه كان يقال: إنَّ الدعاء يُستجاب في خمس ليال"... وذكر منها ليلة النصف من شعبان.
ثم قال: "وأنا أستحب كل ما حكيت في هذه الليالي مِن غير أن يكون فرضًا".
وروى الخطيب البغدادي بإسناده إلى عمر بن عبد العزيز أنه كتب إلى عَدي بن أَرْطاة: "عليكَ بأربع ليال في السَّنة؛ فإن الله يُفرِغ فيهن الرحمة"، وذكر منها ليلة النصف من شعبان.
🎐 #صيام يوم النصف من شعبان:
يستحب صيامه على أنه يوم مِن أيام البيض، ويوم مِن شهر شعبان، وكثير من العلماء #استحب صيامه بناء على الحديث المذكور، وقد تقدم أنه لا يحتج به؛ لشدة ضعفه.
⚫ إحياء ليلة النصف من شعبان والاجتماع له:
يستحب كذلك تخصيص إحيائها بمختلف أنواع العبادة المشروعة، وهو مذهب جمهور العلماء من المذاهب الأربعة السَّنية: المالكية، والحنفية، والشافعية، والحنابلة.
ـ وأما الاجتماع على إحيائها في المساجد:
فاستحبَّه جماعة مِن السلف والعلماء، وكرِهه آخرون...
ـ فمَن غلبَ على ظنه الكسلُ وعدمُ قيامه فيها منفردًا، ولم يخشَ على نفْسه الرياء، وكانت الجماعةُ منشِّطةً له على العبادة؛ فاستحبابُ الجماعة له آكد، وإلا فالأصلُ إحياؤها -كباقي الليالي- منفردًا.
قال الفاكهي: "أهلُ مكة فيما مضى إلى اليوم إذا كان ليلة النصف مِن شعبان، خرج عامة الرجال والنساء إلى المسجد، فصلوا، وطافوا، وأحيوا ليلتهم حتى الصباح بالقراءة في المسجد الحرام، حتى يختموا القرآن كله، ويصلوا... وأخذوا من ماء زمزم تلك الليلة، فشربوه، واغتسلوا به، وخبَّؤوه عندهم للمرضى، يبتغون بذلك البركة في هذه الليلة".
قلتُ: الظاهر أن هذا الصَّنيع استمر عند أهل مكة حتى القرن السابع الهجري...
وقال ابن جُبير: "هذه الليلة المباركة -أعني ليلة النصف من شعبان- عند أهل مكة معظَّمة؛ للأثر الكريم الوارد فيها، فهُم يبادرون فيها إلى أعمال البر مِن العمرة والطواف والصلاة أفرادا وجماعة، فينقسمون في ذلك أقساما مباركة..." إلى آخر كلامه.
ـ واختلف علماء أهل الشام في صفة إحيائها على قولين:
أحدهما: أنه يستحب إحياؤها جماعة في المساجد، كان خالد بن مَعْدان ولقمان بن عامر وغيرهما يلبسون فيها أحسن ثيابهم، ويتبخَّرون، ويكتحلون، ويقومون في المسجد ليلتهم تلك، ووافقهم إسحاق بن راهُويَهْ على ذلك، وقال في قيامها في المساجد جماعة: ليس ببدعة، نقله عنه حرب الكرماني في "مسائله".
والثاني: أنه يكره الاجتماع فيها في المساجد للصلاة والقصص والدعاء، ولا يكره أن يصلي الرجل فيها لخاصة نفسه، وهذا قول الأوزاعي إمام أهل الشام وفقيههم وعالمهم، وهذا هو الأقرب إن شاء الله تعالى".
📍 كيف يكون إحياء هذه الليلة؟
- صلاة ركعاتٍ مِن قيام الليل بخشوع وطمأنينة.
- قراءة ما تيسر مِن القرآن الكريم.
- الإكثار مِن ذكر الله تعالى بمختلف ألفاظه وأنواعه المشروعة.
- الدعاء، والابتهال إلى الله تعالى، والذلُّ والانطراح بين يديه، والتوبة عن جميع الذنوب والمعاصي.
- استشعار التجلِّي الإلهي بمغفرة الذنوب والعتق مِن النار.
- التبرؤ من الشرك جليه وخفيه، ومسامحة جميع العباد، والبعد عن المشاحنة والمخاصمة، وصلة الرحم، وبر الوالدين.
قال ابن رجب: "فينبغي للمؤمن أن يتفرَّغ في تلك الليلة لذكر الله تعالى، ودعائه بغفران الذنوب وستر العيوب وتفريج الكروب، وأن يُقدِّم على ذلك التوبة؛ فإن الله تعالى يتوب فيها على مَن يتوب".
🔖 (هَمْسة):
قيامُ الليل، ومناجاةُ الرب تعالى= لا يقتصر على ليلة دون أخرى، فالباب مفتوح كل يوم في الثلث الأخير مِن الليل، بل في كلِّ لحظة ينطرح العبد فيها على باب الجواد سبحانه وتعالى...
وما هذه الليلة وأمثالها إلا نفحة من نفحات الله تعالى أكرم بها عباده؛ ليقترب المُقصِّر، ويؤوب الشارد، ويزداد المُقرَّب رفعةً وإقبالا.
قال ابن حجر الهَيْتَمي في "الفتاوى الفقهية الكبرى" (2/80):
"والحاصل أن لهذه الليلة فضلا، وأنه يقع فيها مغفرة مخصوصة واستجابة مخصوصة".
📌 (إشارة):
العبوديةُ لله تعالى تحتاج إلى صفاء قلبٍ،
يُسوِّدها: كثرةُ القيل والقال.
والحمد لله رب العالمين.
✍🏻 #سارية_عجلوني