"منسوب أنت لظل الوقت، وظلك للأبدية منسوب ياهذا ايهما تختار؟ بيتٌ من طين جمجمتي. وربيع تحت حجاب الصدر وقيثار في القلب الباكي. وانا صياد في مستنقع هذا العمر اضعت شباكي. وكفاني أني لا منتظر حلا. انتفع بذاكرتي وأجندها في وجه الحاضر حين يضيق حول خناقي حبلا فأصير وأياها ظلاً."
إحساسانِ يستوطنانِ الجسد. الأولُ له أرضهُ التي يحرثُها، ولا يدعُ غيرهُ أن يَطَأها، بل يُحاول احتلال بقيَّة الأعضاء والاستيلاء عليها بالقوةِ. بينما الخوف ميزتُه أنّه يدخل على الجَسدِ من الأبواب جميعها، لا أرض له، كي يحرثها، ويستقر، ولا أسوار عالية، كي لا يرى، هو المُقيم المُترحِّلُ دائماً. يدخل فجأةً، ويَختفي كذلك. يَستدعيه الجسد في لحظةٍ خاطفةٍ، وعندما تذهب يرفض أن يخرج بالسرعةِ ذاتها، وإذا خرج يكون قد تركَ مخالبَهُ ناشبةً في الروح. الخوفُ هو الَّلذة. لكن، من خارجِ اللغة فقط. أما داخلها، فقد كُنَّا مخدوعين، الَّلذة هي غطسةُ الخوفِ تحت النهر، كي لا يرى، هي وقتٌ مُستقطعٌ، كي يُبدّل مَخَالبَهُ، هي أبخرة مُتصَاعِدة، كي يَعود مَطَراً مرَّةً أخرى، هي أكثر من ذلك، حين صدَّقنا أنفسنا، ورَمَينا الاسم الأعظم في اللغةِ، وبَدأنا مشوار الَّلذة بالبحثِ عنه، بينما التعويذة تَرَكناها في الخارجِ، خارج اللغة تماماً، تَصطَاد شَياطين الخَوف كلَّما حَلَّقت في سمائنا. نحنُ المخدوعون، ولمَّا نَزَل.
·• محمد الحرز، غيابكِ ترك دراجته الهوائية على الباب
أنا والشعرُ، لا ثالثَ بيننا، في هذه الغرفةِ المعزولةِ عن أعين العالم. الشيطانُ الذي لم يجرؤ أحدٌ على إزعاجهِ، وهو ينامُ في أرض المرويّات، يقطفُ الكلامَ كلَّما نَضج في حقولها، يسرجُ منها على خيولها السريعة؛ لتذهب إلى الرؤوس أو الصدور، دون أن تتيه في صحراء، أو تَتعثر بعلامةِ استفهام، أو سؤالٍ هارب من سجونه دون علم حُرَّاسه. وهو الواقف على الباب الكبير للغواية، يُوزّع عطاياه على الداخلين والخارجين. لم يزعجه أحد قط ويقل له: هُناك شيطان آخر قد وُلدَ في هذه الغرفة، وعليكَ أن تُعدَّ له السلالَ؛ لترميهِ في النهر، أو تتركه وحيداً أمام الذئب؛ لئلا يَنجو بنفسه.
كُنَّا وحيدين، لا ثالث لنا، وكلَّما جعنا، كنَّا نهزُّ جذعَ الكلمات، «فيتساقط رطب المَعنى شهيَّاً». كنَّا وحيدين، وكنَّا نعلم أنَّ حبلنا الشوكيّ، لا يشحن أعصابه بالكهرباء، ويضيء، إلَّا إذا مدَدنا سلكه، وثبَّتناه في أرض المرويَّات.
رغم ذلك، فقد طهَّرنا النبوءات من أرضهِ، أرسلنا عاصفتين من إحدى قصائدنا، ولم يبقَ كلام بعدها على الألسنةِ يُشير إليه.
دخلنا أرضهُ فاتحين، ثمَّ أرسلنا الرسل والأوصياء؛ ليقولوا للناس: من دَخَل بيت الشعرِ فهوَ آمن.
من دخل قلب الشعرِ فهوَ آمن. من دخل نار الشعرِ فهو آمن.
من دخلَ بيني وبين الشعر، فلن يكون الشيطان ثالثهما أبداً.
·• محمد الحرز، غيابكِ ترك دراجته الهوائية على الباب
لا رجوعَ عن الدربِ والصلاةُ وضعنَاها في صُرَّة وجئنا اللهَ بخطَايانا ولم نقل شيئاً عن الحبِّ ذلك لأنَّنا ساوْمنا بها حياتَنا السابقة ساومنا كلَّ عاصفةٍ أرادتْ أن تنقشَ على كلِّ جذعٍ أسماءَها ساوَمنا، وذهبنا بألواحِ مُوسى ولم يكن السامريّ هناك. وحدَنا في العَراءِ نُروِّضُ الوحشةَ قبلَ أن تنزلَ المائدة ونذهبُ في التّيه ولا نصعدُ الجبل. وحدَنا نتبعُ طُرُقَ النجمة كي نصلَ قبائلَ، أُناسُها لا يحرسُون أنفسهم سوى بالظّلال وكلَّما ارتفعتْ حرارةُ أرضهم، أَدلقوا عَليها مياه أرواحِهم. وحدهم، لا أنبياءَ ولا كُتُباً، ولا وَصَايا، وحدَهُم، وكفى.
·• محمد الحرز، غيابكِ ترك دراجته الهوائية على الباب
– لا يقول البحرُ غَيْرَ البحرِ أسئلةً معلقةً تفتشُ عن جوابٍ ضائعٍ ومزيجَ أسرارِ مؤبدةٍ وغرقىً فيه غابوا لكأنه الصحراءُ ليس يحدّها بصرٌ وهذا الماءُ أجمعُهُ سرابُ
– ماذا يقولُ البحرُ؟
– صمتًا مطلقًا لا صوتَ يكسرُهُ سوى صوتِ انكسارِ الموجِ فوق الصخرِ فاقرأ صمتَهُ واشربه مثل الماءِ حتى تصبحانِ معًا كيانًا واحدًا ويُزالُ بينكما الحجابُ
– ماذا يقولُ البحرُ؟ -لا شيءَ! انتظرْ! عمّا قليلٍ سوف يُفتحُ فيه بابُ فادخله كلُّك! لا تعد للبرِّ! كنْ بحرًا بجوفِ البحرِ حتى ليس يعرفك الترابُ!
أنا من أهلِ كاشان أيامي ليست سيئة لي كسرةُ خبزٍ، بعضُ ذكاءٍ، ذوقٌ بحجم طرفِ إبرة لي أمٌّ، أحلى من ورق الشجر. وأصدقاء، أحلى من مياهٍ تجري. وربٌّ على مقربة: بين هذا المنثور، أسفلَ الصنوبرة العالية فوق وعي الماء، فوق قانونِ النبات.
قبلتي جوريةٌ. سجّادتي نافورةٌ، تربتي نور. سهلٌ هي سجادتي. أنا أتوضّأُ بنبضِ النوافذ. في صلاتي، يجري القمر، والطيفُ يجري. صلاتي من خلالِها يُرى الحجر: كلّ ذرّاتِ صلاتي تبلورت أنا أًصلي، حينما يؤذّنُ الريح، فوق مئذنةِ السرو. أنا أصلّي، بعد «تكبيرة إحرامِ» العشب، بعد «قد قامت» الموج. كعبتي شفاهُ الماء كعبتي أسفلَ أشجار السنط. كعبتي مثلُ النسيم، ترحلُ غابةً غابة، ترحلُ مدينةً مدينة... «حجرُ الأسودِ» نورُ حديقتي