رجل في نهاية العمر لم يعش طوال حياته إلا المآس والتهجير والتشريد ي، واليوم يشهد بنفسه استشهاد جميع أهله السبعين في جباليا على أيدي وحوش البشر الصهاينة المجرمين.
مجموعات من المسلمين في جباليا أعدمت، والجثت تملأ الشوارع، ومجموعات قيد الاعتقال والتعذيب، وأخرى تحت القصف، ورابعة يقتلها الجوع، وخامسة تنزف دماؤها، وتتفاقم أمراضها.. وأكثرهم اجتمعت عليهم صور الموت من كل جانب.
مجازر يهتز لها عرش الرحمن، فكيف لا تتحرك جموع العرب والمسلمين لممارسة أعلى درجات الضغط الذي يردع الإدارة الأمريكية للتوقف عن قتل أهلنا بغزة مستخدمة أشباه البشر من الصهاينة والمرتزقة الأمريكان والأوروبيين وغيرهم.
ما يحدث منذ عام وحتى اليوم خطير للغاية، وهو مؤذن بخراب روما، وذلك حين تتم شرعنة نفس تلك المذابح من خلال نفس المجرمين الدوليين.
أخاطب الشعوب الأوروبية لتنقذ مستقبل أطفالها من مجازر غزة ومسالخ جباليا، وذلك حين تختل المعادلة الدولية، وهو أمر حاصل لا محالة.
واهم من ظن أن الظلم العالمي الذي تمارسه الإدارة الأمريكية -تارة على أيدي قطعان اليهود الصهاينة، وتارة على أيدي الطائفيين الموالين لإيران، وتارة باستخدامها الخبيث للبغل الروسي الذي لا يقرأ هو ولا غيره التاريخ- لن ينتهي بخراب روما ونظم أوروبا المنافقة.
أما عن الأنظمة العربية فهي جزء من معاول الهدم الأمريكية، وكل تعويل عليها مخروق العقل، تماما كمن يعول على الملالي الإيرانيين!
مشاهد دونها - والله - الموت!! تخيّل أنّ أراذل وأسافل الخلق يوقفون للفحص والتفتيش، أمّك الغالية، أو ابنتك الحبيبة، أو زوجك المصون، أو أباك الذي لا تقبل فيه كلمةً تسوؤه، أو.. أو وهذا مع الإعدامات الميدانية التي تشاهدها حيّةُ مباشرة. ثمّ إلى أين!! إلى حلقة أخرى من مسلسل العذاب الطويل والقهر والأذى. ولا نامت عين جبان.
كم هو مؤلم أن تغيب نعمتي ( أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف ) في واقع شعوب الأمة اليوم.
غياب جعل الأطفال كهولا بحجم ما يحملونه من مسؤولية، وحجم ما يعانونه في معركة البقاء، وحجم التعاسة الشعورية التي يصنعها الخوف والقلق والجوع وغياب السند!
وكما تعيش غزة تلك الحالة المريعة، فإن شواهدها في العراق فظيعة، لاسيما عندما تنظر لشباب العراق يلتفون حول شاحنات القمامة وهي ترميها لينقضوا عليها في محاولة صراع البقاء.
العراق الذي لم يعرف الجوع في تاريخه .. العراق الذي لم يشبع أهل الأرض كما شبع أهله، بات الجوع يضرب خلاياه!
الشام الغراء بنت الكرم والجود والنعيم، والتي اختارها معاوية واختار ربوتها العالية والتي لم ير أهلها جوعا في تاريخهم، حتى جاء أوغاد الباطنيين ليختطفوا من أهلها الأمن والأمان، ويدمروا فيها النعيم والأرزاق التي اشتهرت فيها بين الأقاليم والبلدان.
وهكذا دواليك تسير نفس الحكاية فتقتل ربع مليون سوداني وتشرد أكثر من عشرة ملايين بين ليلة وضحاها!
ومصر على ضفافها تنتظر عطشا تذوب منه الوالدان!
فمتى ستنتبه الشعوب؟ ومتى سترتقي النخب وتترفع عن مشاريعها الخاصة ومصالحها الضيقة، لتصوغ مشروعا يصهر الشعوب في مطالب محقة، تصيب الطواغيت في مقتل، ومتى ستنضج القيادات لئلا تحرف مشاريعها الأنظمة الوكيلة، أو تشوهه داعش وأخواتها الدخيلة؟
لن تنجو شعوب الأمة العربية والإسلامية من واقع أطفال غزة، إذا لم تبادر وتبني مشروعها خارج الأطر القطرية اللعينة والبغيضة والقميئة.
شرف الله عبده يحيى السنوار بموقف يليق بالشهداء والمقاومين الأبطال، فهنيئا له ما حباه الله به، ونسأله سبحانه أن يكون الآن من الأحياء في جنات النعيم، يرزق من خيرات رب كريم عفو غفور رحيم.
يظل من المهم لمن بقوا أحياء أن يعيدوا تقييم المواقف والمناهج والأحلاف السياسية في تجربة حركة المقاومة الإسلامية حماس، والتي تستحق أن تدرس دراسة نقدية ليتم فرز جوانب الخير فيها عن الأخطاء المهلكات، فهذا أدعى لحفظ الحركات الإسلامية الأخرى من السقطات، كما أنه شرط واجب في حقنا لنعيد تصحيح المسار في فلسطين الجريحة.
والسؤال الأكبر ما هو وأين هو واجب شعوب الأمة وحركاتها لتكون في مستوى ما يتطلبه واجب الوقت لإنهاء المذبحة؟
والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون
رزقني الله وإياكم خاتمة ترضيه عنا وجعلنا بفضله وكرمه من الشهداء.
كلما طال أمد الحرب، و تكالب الأعداء، و زاد بطشهم وتنكيلهم وتضييقهم الخناق على أهل غزة اشتدت الحاجة إلى مضاعفة البذل والمسابقة وعدم الملل والتراجع .. فسارعوا وسابقوا وأخلصوا.