وإن أعجب ما في الإنسان أن يرى الموت والموتى بين الساعة والساعة، ثم لا يستشعر من كل ذلك معنى زواله. كأن عادة الحياة أخمدت هذا الحس فيه أو خملت منه، وما هو إلا أساس التعاطف الإنساني، ثم لا يكون إلا أن يمرض هذا الإنسان يوم، فإذا هو قد تلقى الدرس على أحكم أساتذته، ورأى نفسه كان يمشي فقعد، ويستطيل فتقاصر، ويشمخ فانهد، ويسر فحزن، وإذا هو قد بدل من الصوت خفض الصوت، ومن الإعجاب مقت الإعجاب، ومن الخلاف ترك الخلاف، ومن جفوة الناس حاجته إلى رحمة الناس.. ثم إذا هو قد أمسك عن كل ما فيه من العمل، وأقبل على الصحراء المخيفة التي بين الدنيا والآخرة، وأحس من غمزة يد الله في مواضع آلامه أن الإنسان مهما يكن من قوة الأسر وشدة البأس فما هو بعد إلا حبة صغيرة واهنة بين شقي هذه الرحى العظمى الدوارة التي حجرها الشمس والقمر.
مصطفى صادق الرافعي | أوراق الورد
https://t.me/drwasfy