وأورد فيه حديث أم حَرام بنت ملحان رضي الله عنها وفيه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله، يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة).
قالت أم حَرام: (يا رسول الله! ادع الله أن يجعلني منهم).
قال ابن المنير في شرحه: (مدخله في الفقه أن الدعاء بالشهادة حاصله: أن يدعو الله أن يمكن منه كافرا يعصي الله بقتله، فيقل عدد المسلمين، ويدخل السرور على قلوب المشركين، وقد استشكل أجر الدعاء بالشهادة على القواعد؛ إذ مقتضاها أن لا يتمنى معصية الله أحد، لا لنفسه، ولا لغيره.
ووجه تخريجه على القواعد: أن المدعو به قصدًا إنما هو نيل الدرجة الرفيعة المعدة للشهداء، وأما قتل الكافر للمسلم، فليس بمقصود للداعي، وإنما هو من ضرورات الوجود؛ لأن الله أجرى حُكمَها أن لا ينال تلك الدرجة إلا شهيد، فلهذا أدخل البخاري هذه الترجمة، وعضدها بالأحاديث رحمه الله تعالى). (المتواري على أبواب البخاري) (ص149).
قال الدماميني: (وافهم بعد ذلك أن تعدد الجهات صحيح في النظر عقلًا وشرعًا، وربما يلتحق هذا بالمشروع بأصله الممنوع بوصفه؛ لأن الشهادة لا تنفك من مفسدة قتل الكافر للمسلم بحال، ومع ذلك انغمرت المفسدة في جانب المصلحة.
وقد تقدم في كتاب الإيمان شيء من هذا المعنى، ونقلناه هناك عن القرافي، وهو مشهور بين العلماء، ووقع للزمخشري مثله في تفسير سورة آل عمران). (مصابيح الجامع) (6/208).