لِماذا تَوَقَّفَ اللهُ عَنِ التَّدَخُّلِ المُباشِرِ في حَياةِ البَشَرِ؟
بَعدَما كانَ يَتَدَخَّلُ في كُلِّ صَغيرَةٍ وَكَبيرَةٍ في حَياتِهِم،
حَيثُ إِنَّهُ بَعَثَ الغُرابَ خَصِّيصًا لِيُرِيَ قابيلَ كَيفَ يَدفِنُ هابيلَ،
وَغَطَّى الأَرضَ بِطوفانٍ لِأَنَّ قَومَ نُوحٍ كَفَروا بِهِ،
وَأبادَ عادًا وَثَمودَ مَعًا،
وَرَفَعَ عيسى بَينَما شُبِّهَ آخَرُ كَي يُصَلَبَ،
وَأَفنى قَومَ لوطٍ بِأَجمَعِهِم لِأَنَّهُم مِثلِيّونَ،
وَأَرسَلَ طالوتَ إِلى جالوتَ كَي يَقتُلَهُ،
وَمَسَخَ أَصحابَ السَّبتِ إِلى قِرَدَةٍ وَخَنازيرَ لِأَنَّهُمِ اصطادوا السَّمَكَ في يَومِ السَّبتِ،
وَأَغرَقَ جُنودَ فِرعونَ حَتّى يَمنَعَهُم مِن مُطارَدَةِ نَبِيِّهِ،
وَبَعَثَ الخَضِرَ حَتّى يَثقُبَ السَّفينَةَ وَيُرَمِّمَ الجِدارَ وَيَقتُلَ الطِّفلَ لِمُجَرَّدِ تَعليمِ موسى بِوُجودِ اللهِ وَعِلمِهِ المُحيطِ بِكُلِّ شَيءٍ،
وَأَمَدَّ مُحَمَّدًا بِقُوّاتٍ في مَعْرَكَةِ بَدْرٍ مِنَ المَلائِكَةِ المُسَوَّمينَ بِقِيادَةِ جِبريلَ شَخصِيًّا.
فَلِماذا تَوَقَّفَ اللهُ بَعدَ ظُهورِ التِّكنولوجيا؟
بَعدَ ظُهورِ الإِنترنتِ؟
بَعدَ ظُهورِ الكاميرا؟
إِن كانَ الجَوابُ أَنَّ اللهَ تَوَقَّفَ بِسَبَبِ عَدَمِ وُجودِ نَبِيٍّ يُدَعِّمُهُ بِالمُعجِزاتِ وَذَلِكَ بِسَبَبِ وَفاةِ خاتَمِ الأَنبِياءِ،
فَلِماذا إِذًا تَدَخَّلَ سابِقًا مُباشَرَةً بِأَحداثٍ دونَ وُجودِ نَبِيٍّ مُبعوثٍ؟
فَقَد دافَعَ عَنِ الكَعبَةِ في وَقتٍ كانَت مَلِيئَةً بِالأَصنامِ وَيَطوفُ بِها أُناسٌ مُشرِكونَ مِن فِيلِ أَبرَهَةَ، وَأَرسَلَ عَلى جَيشِ أَبرَهَةَ طَيرًا أَبابِيلَ تَرميهِم بِحِجارَةٍ مِن سِجِّيلٍ،
وَقَامَ بِعَمَلِيّاتِ خَسفٍ وَحَصبٍ،
وَأَطلَقَ الصَّيحَةَ عَلى أَقوامٍ جاثِمينَ،
وَأَمَرَ مُترَفِي القَريَةِ كَي يَفسُقوا فيها كَي يَحِقَّ عَلَيهِمُ القَولُ فَيُدَمِّرَهُم تَدميرًا.
إِذًا، القَولُ بِأَنَّ اللهَ كانَ يَتَدَخَّلُ مُباشَرَةً فَقَط بِوُجودِ نَبِيٍّ مُبعوثٍ هُوَ قَولٌ مَردودٌ لِأَنَّ تَدَخُّلاتِهِ كانَت كَثيرَةً دونَ وُجودِ نَبِيٍّ مُبعوثٍ.
وَالأَغرَبُ مِن ذَلِكَ أَنَّ اللهَ قَد تَفَرَّغَ بِنَفسِهِ لِإِثباتِ وُجودِهِ مُخاطِبًا فَردًا واحِدًا، رَجُلًا عابِرًا عَلى قَريَةٍ وَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُروشِها، فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ فَقالَ لَهُ: كَم لَبِثتَ؟ قالَ: لَبِثتُ يَومًا أَو بَعضَ يَومٍ، قالَ: بَل لَبِثتَ مِائَةَ عامٍ.
هُنا تَدَخَّلَ اللهُ تَدَخُّلًا مُباشَرًا لِرَجُلٍ مَجهولٍ،
لا نَبِيٍّ وَلا رَسولٍ،
عابِرِ سَبيلٍ وَقَد كَلَّمَهُ بِنَفسِهِ.
فَلِماذا إِذًا تَوَقَّفَ اللهُ عَنِ التَّدَخُّلِ المُباشِرِ في حَياةِ البَشَرِ؟