تُميط النوازل الكبرى اللثام عن خفايا النفوس وبراثن التصورات دون رتوش، وذلك أنّ صورة الواقع في الأذهان قد تكون موغلة في المثالية في أزمنة الرّخاء والدّعة، حتى إذا هبّت ريح الشدائد أضحى البصر حديدا!
ومثل هذه المشاهد ينبغي أن تكون قِبلة أذهان النخبة من الدعاة والمؤثّرين لأنها الكاشفة لمعالم الزّيف والتواءات النّفاق في نفوس النّاس، كشفًا يُعاد به ترتيب أولويات الخطاب الإسلاميّ، أمّا الذي تمر عليه هذه الرّسائل مرور الكرام فسيبقى بعيداً عن مساحات التأثير الحاسمة، وستصيب العامّة كذلك وحشة من خطابه لغربته عن واقعهم..
ومن طالع بقلب بصير تعاطي الأُمّة المسلمة مع ملحمة الصّمود في الأرض المقدّسة لاحت له أدواء نفسية عميقة، تزيد المسافة بين الأُمّة و مِنّة النصر والتمكين، ما لم تُدفع بهَبّة جادّة..وهذه الأدواء تتجلّى في نخور مرض الإخلاد إلى الأرض في جسدها الجريح، واستحكام الوهن في عامّة أفرادها، ممّا أدّى إلى مشكلة "لحظيّة التفاعل"!
فكثير من أبناء المسلمين لا يُنزل مسألة اهتمامه بمآسي إخوته في شتّى الأقطار منزلتها اللائقة بها، فهي عنده رهينة العاطفة الآنيّة، متى حصلت جَلبَة في وسائط التواصل الاجتماعي انتفض واحمرّ أنفُه حمِيّةً، حتى إذا هدأت الأجواء هدأ قلبه معها! الأمر الذي ولّدَ ظاهرةَ قصر نَفَسِ التفاعل مع أزمات الأُمّة المسلمة عند الكثيرين، وانحصر الثبات على واجب التّعاطف والنصرة في فئة قليلة يُخشى عليها من سيل المُثبّطات الهادر!
لذلك، كان التعامل الجادّ مع هذه الظّاهرة المتجدّدة في زمننا من واجبات المرحلة التي لا تقبل التأخير، لارتباطها بقوة الأداء لواجب النصرة الميدانية؛ والذي يظهر بالتأمّل والاستقراء أنّ مَردَّ هذا الدّاء إلى أمرين:
- ضعف الشعور بالأخوة الإيمانية
- نقص الوعي بسنن الله سبحانه في المجتمعات، وضعف اليقين بالمُبشّراتِ العظيمة التي سطّرها الوحي لهذه الأُمّة؛
أمّا الأخوة الإيمانيّة فقد تمزّقت في النفوس وخفت نورها، يومَ مَزّقَت اتفاقية سايكس بيكو الجائرة بلاد المسلمين كلّ ممزّق! ثمّ زادت الخطابات القومية والوطنية الطّين بلّة، فذابت الوشائج بين المسلمين شيئا فشيئا، حتى يومنا هذا..وعلاج هذا الذّوبان عند من ابتلي به هو بكسر الحدود الإقليمية في القلوب، والنظر للمسلم بعين مستنيرة بالوحي مستظلة بأفيائه..
حينها -وحينها فقط- سنُحمل لميادين نصرة إخواننا بقوة وعزيمة، ترهبان عدوّ الله وعدونا، لأننا سنعلم -علم اليقين- بأنّ إراقة دم امرء مسلم واحد أعظم من حرمة الكعبة المشرفة، فكيف بالمجازر النّازية؟ وسندرك أنّ ولاءنا للمؤمنين واجب إيماني نوشك إن فرّطْنا فيه أن يكون ديننا على شفا جُرُف هار! وسنوقن بأنّ خذلان المسلم لأخيه وإسلامه للعِدى جريمة عظيمة!
وبالنسبة للأمر الثاني فحضوره في المعركة ظاهر، إذ أنّ الجهل بسنن الله سبحانه وتقدّس في المجتمعات الإنسانية وقيام الأُمم وسقوطها، خصوصا ما تعلق منها بالتدافع بين حزب الله وحزب الشيطان، سيوقع الإنسان في مزالق تهوي به في وادي اليأس والإحباط!
فكم سقط من المستعجلين بالنصر وكم أُحبِط من الجازعين في البلاء
وكم اهتزت عقيدته من مخدوع بشعارات الغرب الكافر والتي نبذوها وراء ظهورهم في حرب غزّة؟
إنّ النّصر يتطلّب نفوساً مؤمنة تتعامل في ما بينها بمنطق الرحمة والشّفقة، وتعامل الكافرين بسوط الشّدّة والقوّة، نفوس تراعي السّنن الإلهية في كل خطوة، وترى بشريات الوحي بقلوب مزهرة باليقين..
وما لم يلتفت أهل الإصلاح لهذه المعاني بصدق، ويصدحون بها في كل وادٍ، ويدرجونها -بقوة- في المناهج التربوية في الواقع والمواقع، فستُلدغ الأُمّة في نفس الجحور مرات ومرات!
وتحقّق المطلبيْن السّابقين علماً وعملاً بوّابة الثبات على نصرة المستضعفين؛ ومغالبة الملهيات والمُثبّطات، فحيُّ القلب مستعد لبذل مُهْجتِه وما يحبّ من ماله، طيّبة بذلك نفسه في سبيل الله؛ ولا يفتر أبداً عن رفع الدّعوات الصّادقة إلى طبقات السماء على متن بُراق المسكنة!
أمّا الفئة المؤمنة الواعية سلفاً فيجب اغتنامها بالاحتواء وتقسيمها على الثّغور، لئلّا تضعفها أمواج الغافلين!
وإنّما النّصر لمن ثبت!
✍🏻 محمد أحمد سالم | البناء المنهجي4
#نص #إسفار