خاطِرِيَّات حسين بافقيه

@hubafagih


خاطِرِيَّات حسين بافقيه

26 Aug, 01:25


كانَ "المذهبُ الرُّومنسيُّ" الَّذي دَرَسْتُهُ، أَوَّلَ عَهْدي بِالْجامِعةِ، غَيْرَ الَّذي عَرَفْتُهُ مِنْ أحاديثِ الْحُبِّ! إنَّهُ شيءٌ مُتَجَهِّمٌ، جافٌّ، شاحِبٌ، وإنْ أَفْلَحَ أُستاذُنا السَّعيدُ الورقيُّ في تخفيفِ ما فيهِ مِنْ مَرَارَةٍ، فأَسَغْناهُ، أوْ أوشكْنا أن نُسِيغَهُ!

#حسين_بافقيه

جُدَّة في ٢٢ صَفَر ١٤٤٦هـ

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

26 Aug, 01:25


#سنوات_الطَّلَب

🔹 المذهبُ الرُّومنسيُّ 🔸

كانَ "المذهبُ الرُّومنسيُّ" أوَّلَ مادَّةٍ أَتَلَقَّاها مِنْ مَوَادِّ قِسْمِ اللُّغةِ العربيَّةِ وآدابِها، قَبْلَ أنْ يُقَيَّدَ اسْمِي في طُلَّابِهِ.

وكُنْتُ، لَمَّا أَتْمَمْتُ دراستي الثَّانويَّةِ عامَ ١٤٠٤هـ = ١٩٨٤م في الثَّانويَّةِ التِّجاريَّةِ بِجُدَّةَ، قدْ أَجْمَعْتُ عَزْمِي عَلَى دِراسةِ اللُّغةِ والأدبِ، لا الاقتصادِ والإدارةِ، كما تُمْلِيهِ طبيعةُ دراستي، لكنَّني لمْ أستطِعْ صَبْرًا، فاخترْتُ "المذهبَ الرُّومنسيَّ" مادَّةً اختياريَّةً، فعسَى أنْ أكونَ، في يومٍ قريبٍ، واحِدًا مِنْ طُلَّابِ الخليلِ بْنِ أحمدَ وسيبويهِ!

والَّذي حَدَانِي إلى دَرْسِ هذهِ المادَّةِ دُونَ غيرِها مِنْ مَوَادِّ قِسْمِ اللُّغةِ العربيَّةِ = أنَّها اختياريَّةٌ، وأنَّني قَرَأْتُ، قَبْلَ زمنٍ يسيرٍ، كِتابًا لهُ تَعَلُّقٌ بالرُّومنسيَّةِ [أو الرُّومنطيقيَّةِ كما صِرْتُ أقولُ]؛ ذلكُمُ الكِتابُ هُوَ (الشِّعرُ المُعاصِرُ عَلَى ضَوْءِ النَّقدِ الحديثِ) للنَّاقدِ المصريِّ [الَّذي كانَ شهيرًا!] مصطفَى عبد اللَّطيف السَّحرتيِّ، وكانَ الكِتابُ قدْ أَصْدَرَتْ دارُ مَجَلَّةِ المُقْتَطَفِ طَبْعتَهُ الأُولَى سَنَةَ ١٣٦٧هـ = ١٩٤٨م، أمَّا الطَّبعةُ الَّتي قَرَأْتُها، فهي تلك الَّتي أصدرَتْها مطبوعاتُ تِهامةَ في جُدَّةَ سَنَةَ ١٤٠٤هـ = ١٩٨٤م، ووَطَّأَ لها النَّاقدُ السُّعُوديُّ الكبيرُ عبدُ الله عبد الجبَّار بدراسةٍ مُطَوَّلَةٍ، تُوْشِكُ أنْ تَكُونَ، لِسَعَتِها وتَبَسُّطِها، كِتابًا قائمًا برأْسِهِ، وفيها ما شِئْتَ مِنْ تاريخٍ كادَ أن يَغُورَ لَوْلا أنِ استنقَذَهُ عبدُ الله عبد الْجبَّار مِنَ الضَّيَاعِ، أمَّا مَوْضِعُ السَّحرتيِّ مِنْ حركةِ النَّقدِ الأدبيِّ في مِصْرَ، ومَقامُهُ في الحياةِ الأدبيَّةِ، وسَهْمُهُ في الشِّعْرِ، ورئاستُهُ لِـ "رابطةِ الأدبِ الحديثِ" = فأغلبُ الظَّنِّ أنَّ القارئَ اللَّبيبَ سيَظْهَرُ عَلَى حديثٍ لا مثيلَ لهُ، أَدَّاهُ عبدُ الْجبَّار في حَقِّ أستاذِهِ وصديقِهِ ورفيقِ دَرْبِهِ في مِصْرَ، لَمَّا اتَّخَذَها دارًا وسَكَنًا، يَحْسُنُ بدارِسي السَّحَرْتِيِّ الرُّجُوعُ إليهِ.

حتَّى إذا أَقْبَلْتُ عَلَى الكِتابِ لَقِيتُني – وأنا طالبٌ في الثَّانويَّةِ التِّجاريَّةِ – ينتهي إلَيَّ مِنْ أمرِ الشِّعْرِ العربيِّ الحديثِ مِقْدارٌ طيِّبٌ، ولَقِيتُني أَفْهَمُ عِبارةَ النَّاقدِ الْجليلِ، ولا أَصُدُّ عنها، فلمَّا وَقَفْتُ عَلَى مادَّةٍ اسْمُها "المذهبُ الرُّومنسيُّ"، وأنا أتخيَّرُ الموادَّ، طابَ لي أنْ أَدْرُسَها! أَلَمْ أقرأْ، قَبْلَ حِينٍ، كِتابَ السَّحرتيِّ، ومُعْظَمُ الشِّعْرِ الَّذي عالَجَهُ وِجْدانيٌّ رومنطيقيٌّ؟ أَوَلَمْ يَكُنْ عبد الله الفيصل، وإبراهيم ناجي، ومحمود حسن إسماعيل، وغازي القصيبيُّ شُعَرائي الَّذينَ أُوْثِرُ شِعْرَهُمْ، وأستظْهِرُ مِقْدارًا صالِحًا مِنْهُ؟ إذنْ ليسَ غريبًا أنْ أَعْرِفَ دخائلَ هذهِ "الرُّومنسيَّةِ"، وأذوقَ حلاوتَها!

أَقْبَلْتُ في صباحٍ رومنطيقيٍّ عَلَى مبنى ١٩، حيثُ الأستاذُ والدَّرْسُ والطُّلَّابُ. كانَتْ حُجْرةُ الدَّرْسِ واسِعةً شيئًا مَّا، والطُّلَّابُ ينتسبونَ إلى أقسامٍ مختلفةٍ مِنْ كُلِّيَّةِ الآدابِ، وأَقْبَلَ أستاذُ المادَّةِ الدُّكتور السَّعيد بيُّومي الورقيّ، وحَيَّانا، بِوَجْهٍ سَمْحٍ بَشُوشٍ، ثُمَّ شَرَعَ يُعَرِّفُنا مُفْرداتِ الدَّرْسِ وطبيعتَهُ.

والدُّكتور السَّعيدُ الورقيُّ أَقْرَبُ إلى القِصَرُ مِنْهُ إلى الطُّولِ، وكانَ، عَلَى طيبتِهِ ودماثةِ أخلاقِهِ، يَتَحَدَّثُ بِنَبْرَةٍ أرستقراطيَّةٍ، وكأنَّهُ مُمَثِّلٌ بارِعٌ مِنْ مُمَثِّلي السِّينما المِصريَّةِ، في زمنِها الحُلْوِ القديمِ، وطالما رأيْتُهُ في أَرْوِقةِ القِسْمِ، وفي فَمِهِ غليونٌ، فيزدادُ تَعْجُّبي وأنا أُحاوِلُ أنْ أُلائِمَ بَيْنَ قامتِهِ وحديثِهِ وغليونِهِ! ثُمَّ إنَّني رأيْتُ في واحِدةٍ مِنْ مكتباتِ جُدَّةَ كِتابَهُ (لُغَةَ الشِّعْرِ العربيِّ الحديثِ)، في طبعةٍ بيروتيَّةٍ قشيبةٍ، فابتعتُهُ، وجَعَلْتُ أَنْظُرُ فيهِ وأَمُرُّ ببعضِ فُصُولِهِ.

والْحَقُّ أنَّ رأيي في الدُّكتور الورقيِّ، في ذلكَ العَهْدِ، كانَ طيِّبًا، وما رَسَبَ في ذاكرتي مِنْ دَرْسِهِ كانَ حَسَنًا، ويَكْفي أنَّ الدَّرْسَ عَرَّفَنِي أنَّ "الرُّومنسيَّةَ" – تِلْكَ الَّتي كُنْتُ أَتَغَنَّى بقصائدِ شُعرائِها، فأُحِسُّ لَسْعَ الْحُبِّ – إنَّما تَقُومُ عَلَى فلسفاتٍ ونظريَّاتٍ، وأنَّ أُستاذَنا أَخَذَنا، في حديثٍ ذِي شُعَبٍ، إلى أهْلِها مِنَ الغربيِّينَ، وبِتْنا نأْلَفُ، شيئًا ما، أسماءَ الفيلسوفِ كانْط، والأَخَوَينِ شليغل، ومدام دِي ستايل، وآخرينَ يَعْسُرُ عَلَيْنا تَهَجِّي أسمائِهِمْ!

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

08 Aug, 10:59


🔹 الدُّكتور محمَّد زكريَّا عنانيّ 🔸

كُنْتُ في مجلسِ الوزيرِ الشَّاعرِ الدُّكتور عبد العزيز خوجه - حفظه الله - وخُضْنا، وهذه عادتُهُ، في أحاديثِ الأدبِ والثَّقافةِ والشِّعرِ.

حَدَّثَني طويلًا عن العلماءِ الأعلامِ الذينَ عَرَفَهُمْ عندما كانَ سفيرًا في المملكةِ المغربيَّةِ: عبد الهادي التَّازيّ، ومحمَّد المنُّونيّ، ومحمَّد بن شريفة، والعلَّامةِ السُّودانيّ الجليلِ عبد الله الطَّيِّب.

وحَدَّثَني، وأطالَ الحديثَ، عنِ الأديبِ النَّاقدِ المُتَرجِمِ الفنَّانِ الدُّكتور محمَّد زكريَّا عنانيّ (السِّكندريّ)، وقُلْتُ لهُ: عَرَفْتُ كُتُبَهُ قديمًا، ولقيتُهُ في #جُدَّة، منذُ ثلاثينَ عامًا، وعَدَدْتُّهُ مِنْ الأساتذةِ الأعلامِ في الأدبِ الأندلسيِّ، فهُوَ حُجَّةٌ فيهِ، وكِتابُهُ (المُوَشَّحاتُ) - الذي نَشَرَتْهُ عالَمُ المعرفةِ الكويتيَّةُ في بُداءَتِها - مِنْ الكُتُبِ العَلَاماتِ في بابِهِ، ثُمَّ بَدَا لي أنْ أُحَدِّثَ الوزيرَ الشَّاعِرَ عنْ سَمِيِّهِ الأديبِ الشَّاعِرِ المُتَرجِمِ النَّاقدِ الفنَّانِ الدُّكتور محمَّد محمَّد عِنانيّ (الرَّشِيديّ)، وعنْ مَقامِهِ السَّنِيِّ في ثقافتِنا العربيَّةِ الحديثةِ.

خاطِرِيَّات حسين بافقيه

06 Aug, 23:05


#الخاطِرِيَّات

🔸 فُضُولٌ عِلْمِيٌّ 🔹

أَعْرِفُ في نفسي حُبَّ التَّعَلُّمِ، ولا أُفَرِّطُ في فُرْصةٍ أُتِيحَتْ لي، ولَوْ عَرَضًا، للتَّثَقُّفِ والإقبالِ عَلَى القراءةِ والاستزادةِ مِنَ المعرفةِ.

ولَمَّا كُنْتُ رئيسًا لتحريرِ مجلَّةِ (الْحَجِّ والعُمْرةِ) - وكان بَدْءُ اتِّصالي بها سَنَةَ ١٤٢٣هـ = ٢٠٠٢م) = دَعَوْتُ إلى الكِتابةِ فيها نَفَرًا مِنْ أهلِ القَلَمِ، وكانَ صديقي الدُّكتور عبد الله المُنيف - حفظه الله - مِنْ أوائلِ مَنْ دَعَوْتُهُمْ.

حَدَّثَني عبدُ الله عن موضوعٍ طريفٍ لَمْ أَكُنْ لأعرفَ عنهُ شيئًا مِنْ قَبْلُ!

قالَ: ألا تَعْلَمُ يا أبا هاشم أنَّ جِلَّةً مِنَ العُلَماءِ، مِمَّنْ حَجَّ البيتَ العتيقَ، وجاوَرَ فيهِ مُدَدًا تَطُولُ وتَقْصُرُ = صَنَّفُوا كُتُبَهُمْ بمكَّةَ المُكرَّمةِ، تُجَاهَ الكعبةِ المُشَرَّفةِ 😍😍😍 وما كانوا آحادًا، بلْ عَشَرَاتٍ، بَلْ مِئاتٍ!

وكأيِّ رئيسِ تحريرٍ يرجو للمَجَلَّةِ الَّتي يُحَرِّرُها النُّجْحَ والتَّجديدَ = رَجَوْتُهُ أن يَخُصَّ (الحَجَّ والعُمْرةَ) بمقالٍ، موضوعُهُ "العُلَماءُ الَّذينَ أَلَّفُوا كُتُبَهُمْ تُجَاهَ الكعبةِ المُشَرَّفةِ"!

لكنَّ عبدَ الله المُنيفَ اعتذَرَ؛ لاشتغالِهِ بأُطروحتِهِ الجامِعيَّةِ العالِيَةِ؛ فألْحَحْتُ عليهِ، وقُلْتُ لهُ: أنتَ صاحِبُ هذهِ الفكرةِ الطَّريفةِ البديعةِ، ومِنَ الظُّلْمِ لكَ أنْ أقترِحَ عَلَى سِوَاكَ الكِتابةَ فيها، فقَبِلَ، وأنشأَ مقالًا رائعًا في موضوعٍ قليلٍ عارِفُوهُ!

شُغِلَ عبدُ الله - بعد ذلك - بِـ (مكتبةِ الملِكِ فهدٍ الوطنيَّةِ)، حيثُ يَعْمَلُ - آنَئِذٍ - وبأُطرُوحَتِهِ العالِيَةِ، لَكِنَّهُ بَذَرَ في نَفْسِي فُضُولًا عِلْمِيًّا، مِنْ صُوَرِهِ شَغَفِي الَّذي لا حُدُودَ لَهُ، بِتَتَبُّعِ الكُتُبِ الَّتي صَنَّفَها أصحابُها في مكَّةَ المُكَرَّمةِ، تُجَاهَ الكعبةِ المُشَرَّفةِ 🕋 ويَدْخُلُ في مَعناها الكُتُبُ الَّتي أُلِّفَتْ في المسجدِ النَّبَوِيِّ الشَّريفِ، بينَ قَبْرِ النَّبِيِّ الأعظَمِ - صَلَّى اللهُ عليهِ وسَلَّمَ - ومِنْبَرِهِ الأَشْرَفِ 😍😍😍