يا عزيز:
مؤخراً بتّ أؤمن بأنّ الإنسان لديه واجبات كثيرة، وحقوق أقل.. أو حسبَ فلسفته الخاصة فليسمها كما يشاء
إنّي رأيت أنّ واجباتي كثيرة، ليست تلك التي درسناها، كواجبي تجاه أسرتي أو مدرستي أو جامعتي أو وظائفي أو الآخرين.. لا هذه متفق عليها من المجتمع،
لكن أيقنتُ أنّ صنفاً من النّاس، بما فيهم أنا _وأنت إن اعترفت بذلك_ حتّى حقوقهم واجبات!
ستسألني كيف هذا وسأقول لك:
حينما نرى أمام أعيننا شغفنا ونتركه، هو حقّنا لكننا تركناه، لخوف أو لقلق أو لاعتقادنا بعدم استحقاقنا له.. هنا يصبح الحق واجباً، وتصبح الأقدار تدفعك نحوه عنوّة، بل ولا تبرح حتى تعلّقك به، لأن لا أحد _غير طبيبك النفسي إن وجد_ سيهتم لأخذك لحقوقك التي أنت بذات نفسك تبتعد عنها.
حينما تحرم نفسك من أساسيات الحياة، طعام، شراب، نومة هانئة، أو نزهة في يوم يشعُّ نوراً، هنا يصبحُ الحقّ واجباً، ويعود القدر ليدفعك إلى حقوقك لتغتنمها، لكن ليست كلّ الدفعات تجددك، فمنها ما يمرضك، وإنّ المرضَ برأيي الشخصي أوضح رسالة من الحياة لحثك على الدأب والشكر والتجدد.
الزكام يدفعك لحب الطبيعة، والصداع يدفعك لحب الجلوس مع نفسك أو مع أصدقائك، وجع المعدة يدفعك للانتباه لذاتك، فطعامك يعبر عنك، وإنّ اللامبالاة به يعني لامبالاتك بنفسك.. وتكثر الأمراض وتكثر معها الرسالات،
ولكن في أي بريد ترسو، من ساعي البريد الذي يوصلها، ومن يقرأها ويؤمن بها ويعمل بها؟
هذه هي الدائرة التي تدور وتدور، وعلينا أن نشعر بها ونتقبلها في كل زاوية بينما نحن لا نرى سوى زاوية المصيبة.
لنعود مجدداً لحقوقنا فقد أخذني الحديث لفلسفة ثانية، وتعلم كم أحبّ هذه النظرة في الحياة لأنّها توسّع أفق رؤيتنا وشعورنا وصبرنا وحتى إنسانيتنا!
مسمى الحق يا عزيزي يحتاج قوّة للدفاع عنه، جرأة وشراسة، وهذا ما لم نعتده، فقد مرّت أجمل سنين في عمرنا مسلوبي كل شيء إلا القدرة على النجاة، فأصبحنا فريق نجاة لا حق.
كم يوماً استيقظت فيه وعشته بدون لون ولا تجديد وقلتَ في آخره: أجل، هو يوم جديد نجوت منه!
لماذا نحكم على أيامنا بالنجاة لا بالحياة؟
وتغيره؟ أمر صعب لمن لم يدركه.. ولمن خافه.
كأي عادة سيئة نريد التخلص منها، بدا لي أنّ العادات السيئة لا تنحصر بالملموسات كالتدخين وغيره، بل أيضاً بالوجدانيات والواقعيات التي تذهب مننا دون استطاعتنا للصقها فينا.
أتعلم ماذا!
أدعو الله أن يظل عقلي كما هو ويتفتح على ما هو، أن يرزقني الحكمة وينعم علي بالتفكر واستخلاص العطايا والدروس.. وادعو لنفسك أيضاً، فهذا زمن عجيب، يركض ويهرب فيه كل شيء إلا الوجدان يحارب، موقناً _وموقنةً به أيضاً_ أن حربه منتصرة لا محالة ولا شك، وأنّ نتاجها عكس ما يتصوره الكثيرون بأنّها جديّة..
أرى نتاجها الرقة والرحمة بنا أولاً لينعكس على الآخرين ثانياً
فالفرد مجتمع يبدأ من نفسه وينتهي بالمجتمع الأكبر وليس العكس.
أرجو ألّا يكون حديثي فيه من الملل شيئاً، فكّر مليًّا وقل لي..
أليس يحتمله الصواب ما أقول؟
وإلى اللقاء حتى تجيب.
عزيزتكَ أنا.
#أسماء_حموي ♥️✨