طرح المعتزلي دليلا على أن الله يفعل الخير دائما...
كيف ذاك؟
قال: إما أن الله يفعل الخير دائما أو الشر دائما، أو أن يفعل الخير تارة أو الشر تارة...
قال: لو أثبتنا كائنا حيا أو نوعا من الكائنات الحية لا تعاني - وفق ربطهما الشر بالمعاناة - فهذا فعل للباري يمثل خيرا محضا، فقد أثبتنا أنه لا يفعل الشر دائما؛ لأنه لو فعله دائما لم يكن ليفعل الخير ألبتة، و قد فعل الخير؛ إذن ليس هو دائم الشر....
و قد رأي أن الكائن الحي الذي خلقه الباري و لا يعاني أو يصيبه شرٌ هو النبات، ففعل الباري له خير محض...
إذن ماذا لو قيل: هو يفعل الخير تارة و يفعل الشر تارة أخرى؟
لذا فقد طرح دليلا يمنع ذلك، قال:
لو كان يفعل الخير تارة و يفعل الشر تارة، فيبدو أن هناك علة، غير الخير و الشر، جعلته يفعل ذلك..
فنسأل هل هذه العلة لأجل الخير أو لأجل الشر أو تارة لأجل الخير و تارة لأجل الشر، فلا بد أن ننتهي لشيء ما، هو خير في ذاته فيفعل لأجله الخير دائما، أو شر في ذاته فيفعل لأجله الشر دائما و إلا استلزم ذلك تسلسلا ممتنعا...
فقد منع أن يفعل الخير تارة و الشر تارة، و منع أن يفعل الشر دائما، فبقي أنه يفعل الخير دائما...
قلت: هناك إشكالات في هذا الطرح بقطع النظر عن مثال النبات في اعتباره إياه خيرا محضا و فيه أسئلة.. سنركز على ما يتعلق ببرهانه الذي منع به أن يفعل الخير تارة و الشر تارة...
قلت:
أولا: قوله: لو كان يفعل الخير تارة أو يفعل الشر تارة فيبدو أن هناك علة... قلت: لمَ لا يكون قد فعل هذا تارة و هذا تارة لمحض الإرادة أو لمحض كونه مريدا، فلا علة حينئذ تسبب اختلاف أفعاله، فلا يفعله لعلة هي خير أو علة هي شر، و أنت لم تثبت الحكمة التي يفعل لأجلها...
ثانيا: لمَ لا يفعل ذلك لمحض ذاته التي تقتضي أن تتعدد أفعاله بصرف النظر عن كونها خيرا أم شرا..
ثالثا: لم لا يفعل هذا تارة و هذا تارة لأمر قائم بذاته؛ ليقال: ما يعود لأمر قائم بذاته لا يوصف بأنه خير أو شر؛ لأجل أن الخير و الشر قائمان بالمخلوق - عندكم - لا الخالق...
رابعا: لم لا يكون ما فعله من خير ينتهي لعلة هي خير أو ما فعله من شر ينتهي لعلة هي شر، فيبقى أن تثبت أن نفس ذاته تقتضي أن تفعل هذا دائما أو هذا دائما، أو أن هناك أمرا قائما بذاته يجعله يفعل هذا دائما أو هذا دائما.
و أنت لم تثبت أن ذلك تقتضيه ذاته كونه مثلا حكيما لا يفعل القبيح، أو تثبت أمرا قائما بذاته يقتضي أن لا يفعل القبيح، و تعدد الأمور القائمة بذاته أنت تمنعه..
خامسا: قوله فيبدو أن هناك علة، فما المقصود بالعلة؟ لو كان المقصود بها ما يترتب على الفعل من أمر، سواء كان خيرا أو شرا، و هذا الأمر يترتب عليه أمرٌ، ثم يتسلسل؛ فهذا تسلسل في المستقبل، كأن يفعل (أ) لأجل حصول (ب) ، و ب يترتب عليها حصول (جـ) و (جـ) يترتب عليها حصول (د) و هكذا يتسلسل.... فهذا جائز لأنه وفق مبانيهم تسلسلٌ لم يدخل في الوجود...
أما لو كان المقصود بالعلة هو سبب هذا الخير أو هذا الشر، أي ما يكون قبله، فلو قلنا إن هذا السبب له سبب يسبقه، و هذا السبب له سبب يسبقه، فإذا منع التسلسل، فلمَ لا ينتهي الفعل الذي هو خير إلى سبب هو خير، و ينتهي الفعل الذي هو شر إلى سبب هو شر، فيصدر عنه كلاهما، فما المانع من ذلك؟
لذا أقول:
كان لا بد من بحث مفهوم الشر أولا، هل هو وجودي أم عدمي، و هل يدخل في الشر ما هو مآله خير أم لا يدخل، و كان يجب عليه أولا إثبات أن الخالق حكيم لا يفعل القبيح أو يفعل ما كان مآله حسنًا ثم يرتب عليه براهينه...
و الله المستعان...
👇👇👇👇