تغسل يديك.. المياه باردة لدرجة الألم.. تخرج لبعض شأنك.. الهواء بارد لدرجة الخدَر.. تتدثر بثيابك.. الثياب واهية وترتجف تحت بطانياتك.. يكاد يأخذك سيل الأسى ثم تذكر أنك رغم كل ارتجافك لا تزال في سوريا.. ولست في غزة.. هناك من يرتجفون ارتجافاً يفوق ارتجافك.. كيف يحتمل إخوانك ذلك؟ كيف يحتمل أولئك الأطفال تلك المياه الباردة إلى حد الألم؟ كم خداً بريئاً سالت عليه دموع من البرد والألم؟ كلما تعرضتَ للبرد اضطربت أمعاؤك وظللتَ مريضاً حتى تستعيد دفئك.. كيف يستعيدون دفئهم وبماذا يقارعون الأمراض؟ حق عليك أن يكونوا بعد مرور مئات الأيام قد صاروا شيئاً لا تنساه.. تذكر جوعهم مع كل لقمة تأكلها.. بردهم في كل مرة تحس بالدفء.. خيامهم في كل مرة يداريك فيها بيتك.. وتذكر أن في غزة أُناساً تحسبهم أفضل منك ومن ألف من أمثالك يعانون كل هذا.. ولسان حالك كلسان حال عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه في الأثر:
في صحيح البخاري أن عَبْدَ الرَّحْمَنِ بنَ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، أُتِيَ بطَعَامٍ وكانَ صَائِمًا، فَقالَ: قُتِلَ مُصْعَبُ بنُ عُمَيْرٍ وهو خَيْرٌ مِنِّي، كُفِّنَ في بُرْدَةٍ، إنْ غُطِّيَ رَأْسُهُ، بَدَتْ رِجْلَاهُ، وإنْ غُطِّيَ رِجْلَاهُ بَدَا رَأْسُهُ - وأُرَاهُ قالَ: وقُتِلَ حَمْزَةُ وهو خَيْرٌ مِنِّي - ثُمَّ بُسِطَ لَنَا مِنَ الدُّنْيَا ما بُسِطَ - أَوْ قالَ: أُعْطِينَا مِنَ الدُّنْيَا ما أُعْطِينَا - وقدْ خَشِينَا أَنْ تَكُونَ حَسَنَاتُنَا عُجِّلَتْ لَنَا، ثُمَّ جَعَلَ يَبْكِي حتَّى تَرَكَ الطَّعَامَ.
وسّع الله في ديار أهل غزة والسودان في الجنة..