على ظلال حبيبي الشهيد عشتُ مستنيرة، حيث أحبّ دائمًا أن يكون أمام بوابة مخيم جنين، دون أن يأبه ببرق أو رعود، طيران أو قذائف. يعيش حرًّا هكذا، دون قيود.
التقيت بطيفه هائمًا، موشّحًا بكوفيته، يمتد على عشبٍ فاخضرّ من جريان دمه الزرع، وفاح عبق الشهادة نحوه. آسرني فأحببته وكأنما أصبح الحب مصطلحًا باهتًا. أبحث بين طياتنا عن مرادف يحمل عمق الشعور، إلا أن كل محاولاتنا بالوصول باءت بالفشل.
أراك الآن ترمقني بكلف. جئت تحدثني، وها هي ظلالك يا حبيب الروح تظلني.
---
وشاح من الكوفية
أذكر لقائنا الأول في بساتين الحبّ، تجولتِ بوشاح من الكوفية. تبرز عيناك، وتخفي محياك. يفرّ باحثًا عن نجاة حقيقية نحو الجنان ذاهبًا. استوقفني لوهلة. ما الذي يجعله رجلًا متيمًا في سبيل البلاد؟ يحمل روحيه؛ إحداهما على راحة يديه، والأخرى على كتفه الأيمن، بندقيته.
اختلستُ نظرة واحدة، فشاح بناظريه عني فارًّا. تساءلت: أيّا صدفة تلقاني ضائعة فتجدني بعيني مقاومًا! قد أمسى هذا البستان شاهدًا على عهدٍ عقد بروابط القلب.
---
حب في ظلال الاحتلال
غدا البستان بيتي، ملجأي وحقيقتي. قد سئلت مرارًا وتكرارًا: لماذا تتوارين خلف ستار الوحدة؟ وكان أنيسك بين البساتين يجول كثيرًا. ومنذ متى يخفي العاشق قصة عشقه؟ وكيف لمحبوبةٍ أن يفنى في طياتها الحبّ، بينما في أعماقها يئنّ قلبها من ثقل البعاد؟
على جانبي جذع الشجرة كنا كلانا، أنا وأنت، يجمعنا الحديث الأول.
- مطلوب من قبل الاحتلال
عفوًا؟ كيف يبدأ رجلٌ حديثه بهذه الجملة؟ أيودني أم يعرقل اللحظة التي ستجمعنا؟
= وماذا يعني هذا؟
-إني ما بين غشي الرغبة وانسياق الرهبة، أعيش مترددًا: أيهما السير الحكيم؟
غدت، من شدة الرقة، أتخبط بين التأمل والحزن، تارة هنا وتارةً هناك. وما لي سوى أن أخبرك بأنني أحبك!
---
وداع بين الورد والدماء
لم نلتقِ بعدها، فكان لقاؤنا الأول، الأخير أيضًا. لم أرمقه للحظة واحدة. لم أعرفه كفاية، لكني لطالما استشعرتُ أنه ما أحبّ ومن سأسعى إليه نحو الجنة.
على شريطٍ أحمرٍ أنباء عن ارتقاء شهيد، جثمانه ملقى على الأرض، ودماءه التي لا نزكيها على الله تتدفق، ترسم حدودها بشظايا قذيفة. تنثر الورود، يكفن الشهيد وأنا أبكي هنا بحسرة الفقيد.
أقرأ ما يكتبه من بكى متألمًا. فماذا تقول حبيبة الشهيد؟ وما كنتُ أقول شيئًا. أبكي وتبلل الدمعات خدي، فأشكي إليك مرّ الحنين، فأنا متعبٌ بقلبٍ يا عزيزي!
---
زيتونة الحنين
أعود إليها لأخبرها: رحل دون استكمال حديثه بعد، رحل دون وعود أو عهود، دون أملٍ بأن يعود. أرويها بالدموع.
تنبهت حينها أنه كان قد غُرس على جذع الشجرة كلا اسميْنا، وجملة يكسوها الرجاء الفريد: "في جنةٍ، ينتظر الشهيد لحظة الملتقى، يرى محبوبته حيثما نال وارتقى، لا ظلم ولا قيد، فقط حسن التلاقي في أحضان السماء، وحبٌ أبدي لا تفنيه الأيام."