بعد عدة أشهر من عمله في جبهة "بسباس" تزوجت أخته الكبرى وخليلته وصديقته في طفولته عوضًا عن أنها أخته التي كانت تراه الدنيا، ولنا هنا لفتة قصيرة :
رغم صغر سن الشهيد كما أنه أصغر من أخته إلا أنه لعب دور الأب الحنون بامتياز، كان عطوفًا مؤثرًا على نفسه، ولو قلت أن حب كل الناس في كفة وحبه لأخته في كفة لما بالغت وهذا ما لاحظوه أسرته.
زفَّ أخته كأغلى أمانة وأحب وديعة.
بعدما رحلت منارة بيت أخيها عزَّ عليه البقاء في البيت في غيابها فشد رحاله إلى أول جبهة انطلق فيها "سفيان" ومنها انتقل إلى الحديدة عمل فيها عدة أيام في بناء المتارس، ما هي إلا فترة وجيزة حتى عمل في "وحدة الهندسة" لزرع ونزع الألغام، من يعرف سن الشهيد ويعرف خطورة عمله يجد شتان بينهما؛ ولكن "جندي الله مهامه شاملة"، لقد صدق عليه قول الله تعالى:{وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}، بقدر تقواه رزقه الله عقلًا واعيًا وعلمًا نافعًا في سبيل الله تعالى.
في تلك المرحلة ونظرًا لانشغاله الكبير في عمله كانت زيارته لأهله تقل أيامُها عن قبل.
آخر زيارة له كانت في ربيع الثاني بعدأن مرض بما يسمى" حمى الضنك" وعلى إثرها تم تنويمه لمدة خمسة أيام، وصل إلى أهله يوم الثلاثاء الساعة العاشرة صباحًا، وانطلق يوم السبت الساعة الثامنة صباحًا رغم أنه لم يكن قد شُفي من مرضه ولكن هيهات له الراحة على حساب عمله.
وداعًا أمي يا أغلى البشر في قلبي.
وداعًا يا أعظم نعم الله عليَّ.
وداعًا أبي يا أرحم الناس وأرأفهم.
وداعًا يا معلمي الأول وقدوتي في جهادي.
وداعًا إخوتي يا قطعًا من روحي ومن اختلطت دماؤهم بدمي.
وداعًا يا كل أهلي وخاصة "عمتي" يا من عشت بينكم طفولتي وشيئًا من شبابي.
قريتي الجميلة وأهل قريتي الطيبون وداعًا.
جبال رازح الشامخة، سماء رازح المرصعة بالغيوم ناصعة البياض، أرض رازح الخضراء التي تحتضن الكثير من ذكرياتي وداعًا.
ليس من السهل عليَّ فراقكم ولكن واجب عليَّ تلبية ديني ووطني وقضيتي، لم أرض بالقعود من قبل فكيف الآن بعد ما نشاهده من مظلومية غزة ولبنان؟!
أدعولي بالقبول عند ربي
ادعو بالإصطفاء بين الشهداء يا أحبتي.
بعد ١٧ يوم من آخر زيارة له نال ما تمنى، وكان دعاؤه المستجاب، والتحاقه بقافلة الشهداء الأبرار يوم الأحدبتاريخ : ٢٠٢٤/١١/١٠ م
الموافق : ٨/ جماد أول/ ١٤٤٦ هـ
"لا تبكوا عليَّ ولا تقيموا لي عزاء؛ فأنا لست ميت، هذا هو يوم زفافي إلى ملكوت الله تعالى، هذا اليوم المُنتظر، فلا تبكوا عليَّ"
عندما وصل خبر استشهاده لأسرته كان ردهم على خلاف المتوقع منهم، عظيمًا دون نحيب أو تحسر أو لطم، وكأن ولدهم ولد لهما لم يرحل عنهما، كأي أسرة جعلت من رسول الله وآله عنوانًا للصبر واحتساب كل معاناة أجرًا كبيرًا عند الله تعالى.
كل ما كان يُرى هو دمع للشوق وليس للتحسر، دموع المشتاقين وليست دموع النادمين، سور تُتلى، ومسابح ترتفع بالتسبيح لله والحمد والشكر له، وكل ما يُسمع هي عبارة الصابرين "إنا لله وإنا إليه راجعون"، "اللهم إن كان هذا يرضيك فخذ حتى ترضى"، على درب الحسين وزينب لن تلين العزائم، ولن يتزلزل الإيمان.
كان يوم تشييعه يوم الأربعاء في العاصمة صنعاء تشيعًا رسميًا، وقد تم زفافه إلى جنة دنياه "روضة الشهداء" يوم الجمعة، في ذلك اليوم سجلت أسرة الشهيد موقفًا خالدًا يُسجل في تاريخ أسر الشهداء اليمنية عندما استقبلت الشهيد بصرخة ليست مجرد كلمات بل هي موقف يعبر عن الصبر في أعلى مراتبه والإيمان في أجمل حلله، قالت الأم حينها :"أريد من الجميع أن يشاركني زفاف ولدي"؛ حيث كان من المفترض أن يكون شهر استشهاده هو شهر خطوبته، ولكنه اختار زفافه الخالد عند الله تعالى يتكفل هو بكل شيء، في قاعة زفاف هي جنة عرضها السموات والأرض، لأعظم وأطهر ضيوف هم أنبياء الله ورسله والصديقين من عباده، تزفه الملائكة لأجمل النساء هن حور العين، فهذا الزفاف هو زفاف الأنبياء الأولياء.
هنيئًا لك أيها الشهيد الحي حياتك التي قضيتها صافي القلب حسن المعاملة مجاهدًا حرًا أبيًا، والتي ختمتها بختام تمناه الرسل والأنبياء، وينتظره بشوق الأتقياء، سيبقى دربك هو درب كل الأحراروالعظماء....
#فريق_عشاق_الشهادة