ـ لا تُغريكِ أصواتُ ضحِكاتي .. فهي لا تخرج من أعماقِ قلبي ، ولا تحسّبي أن الضوء الذي يُشع مني ناتجُ عن سعادةِ عارمة .. فما هو إلا نتيجةَ إحتراقِ دواخِلي ، ولا تحسبينني بحراً أزرقاً كبيراً تعيشُ فيه الأسّماك .. فَالبحر قاعهُ مظلم ومؤجاته تؤذي إن غضب ، أنَا وطن .. وطنًٌ رثُ بعدما غادرهُ ثُلثٍ شعبة أصبحً رثً ، تسكنهُ الأشّباح والحيوانات المفَترسة ، وطنًُ مهجور لا يَصلُح للسَكن ، وطنًُ تقطعت بهِ سُبل المعيشة ، وطنًُ مُقفرُ ، إن مرَ الزوار بِجواره يُصِبُهمُ الخوف مِن مظهر أشّجاره وتشابُك بعضِها ببعض ، وإن قَرروا المبيت لا يَتحملون المُكوثَ بِه بضعَ دقائق .. بسبب صَيحاتٍ أنِين أرواحهِ المُتعبة .. عَوُْيّ حيَوانتها يُسبب الرُعب لسكانِ القُرىٰ المجاورة، شَوارعه باردةً جِداً قد يُصيِبك الصقِيع إن كُنتَ خَارجاً ، منازله كئيبة ومُرعبة .. مُغلب بيبانُها مخّلوعة .. وتُغطي فُتحاتُ البِيبان خُيوط العناكب ، جميع نوافذ المَنازل مُحطمة .. بالكادِ بعض المنازل لديها أسقُف .. غُرف المَعيِشة رائحتها نَتِنه كرائِحة المجَاريِر ، ولا توجَد بِه حمامات .. عليكَ قضاءُ حاجتكَ في الشَوارع .. لا إسفلتُ للسِيارات .. فكُل الطَريق موحِل ، ولا توجد إنارات .. بسبب الضَباب الكَثِيف علىٰ مدارِ السنة فلا تعرف نهارِها من ليِلها .. في سوق المدينة يُوجد منزل كبير ذا أركانٍ حَادة ، بِه بئرُ مُثلثُ الشكل ، من النظرة الاولىٰ تَعلمُ أنه لِيسَ بِئراً عادياً .. إذا ما إقتربت سترىٰ باقي جماجم وهياكل عظمِية لكِنها لاتُخيفُ كثيراً .. فَالأكثر رُعباً مقبرة المدينة تقع في مُنتصف المدينة شَكلها دائري وليسَ لهَا أسوار فلا تعلم أين بَابُها .. ومن هُناك مَصدَر الضباب الحاضن للمديِنة بكَامِلها ، تحوُم حولهَا الخفَافيِش وترىٰ لهِيباً يتوقد داخلها وكأنها تحتَرق .. تَشعُر أن هُنلك روحً ملعونة بِداخلها وتَشعُرُ أنّ سُكان تلكَ المقبرة ليِسوا مِن البشر .. لم يًستطع أحدًُ الإقتِراب مِنهًا حتىٰ يَومِنا هذا .. فَمن يذهبُ لا يَعود ، لذا أيتُها الفتَاة الرقِيقة أنفُري بِجلدكِ .. ولا تُفكري فِي العَودة
ـ جِهَاد›الاَصبَحِيٰ.