إعلم أسعدك الله تعالى وأرشدك : أن النفس الحيوانية لما كانت
متصلة بالقلب، فيحكم بها في كل ذي نصيب منها من سائر الجسد
وجدنا القلب حاكماً والجوارح رعيته، فيفرق على كل قبيل من رعيته ما
يختص به بحسب ما يليق، ولما كان الإنسان عالماً صغيراً بالإضافة إلى
العالم الكبير العلوي المختصر من الجملة كان كتفاصيل الموجودات
العلوية والسفلية وجملها ، رأيت ذلك ينقسم إلى ظاهر وباطن، فظاهره
كالقشر وباطنه كاللب بل قد عبر الشرع عن المعنى المختص بالباطن
باللب في غير موضع من القرآن العظيم، ثم وجدنا جمهور ظاهره ما
اتصلت به الحياة، والأفضل من ذلك ما حصل به الإدراك الحسي
وهي خمسة معان:
حاسة السمع [و] ، وحاسة البصر، وحاسة الذوق، وحاسة الشم وحاسة اللمس، وجملة هذه الحواس صادرة عن القلب، إذ هو منبع الحرارة الغريزية التي هي الفاعلة في عالم الحيوان بإذن خالقها جلت قدرته، ومبداها من القلب، وينشأ إلى كل عضو من أعضاء الإحساس
بجهته من الخاصية الروحانية، فيحصل بذلك الإدراك المخصوص على الوجه المخصوص الذي رتبه الحكيم الباري تبارك اسمه، وجلت عظمته ثم تعود راجعة بما اكتسبته، أو شيء منها من عالم الشهادة فتلقيه إلى القلب، ثم تبعثه البصيرة إلى عالم الحس العقلي المتصل بالدماغ على الترتيب المحكم، فإذا حصل الإدراك الحسي في عالم الشهادة على الوجه المخصوص وقع ما كان منه في شبك الخيال، ثم تلقيه القوة المتخيلة إلى القوة المفكرة، فتميزه حق تمييزه، حتى تلقي ما يصلح الادخار منه إلى عالم الحفظ، وهي القوة الذاكرة التي هي خازن العقل، فإذا استوعى ذلك منها ألقته إليه، ومحلها مؤخر الدماغ؛ لأنها بمعنى الخزانة، وهي الطريق الأقرب إلى القلب، فتصل إليه ما استدعاه بواسطة البصيرة، والمخيلة محلها مقدمة الدماغ؛ لأنها بمعنى المرآة المسامتة للأشياء المتخيلة والمميزة في وسط الدماغ؛ لأنها بين آخذ ومأخوذ عنه، وذلك تقدير العزيز الحكيم، وليس هذا موضع استقصاء الكلام في تفاصيل هذا الفن أكثر من هذا المقدار، إذ القول على ما يتعلق بالقلب فقط، وقد بينا أن الباطن أصل، والظاهر فرع، وإنما تظهر التصاريف الظاهرة الحسية بسبب البواعث الباطنة القلبية، وإذا كان الفرع يظهر فيه الإحساس المشار إليه فبالحري أن يوجد مثل ذلك في الأصل، نعم قد وجدنا ما افترق في أعضاء الإحساس الخمسة الحاصلة به المحسوسات على اختلاف أجناسها وأنواعها بآلات متغايرة في عالم الشهادة موجوداً مثله في العين القلبية في الغيب الإنساني، بل ذلك المفترق من جملة أحكام المجتمع في هذه الحاسة الواحدة بزيادة حاسة سادسة، وهي النطق، وإنما كان ما يظهر منه في عالم الشهادة كالضوء من السراج، وانشراح نفسه متصل بالباطن
٦٩_٧٠-٠٠٠٠٠لإكمال القراءة من كتاب ماهية القلب
ابن عربي
مكتبة الهاشمي
https://play.google.com/store/apps/details?id=app3149231.ptf