روى الإمام أحمد في «مُسْنَدِه» عن عائشةَ رضي الله عنها، عن رسـول الله ﷺ قـال: «إِنَّ اللَّهَ عَـزَّ وَجَلَّ يَنْزِلُ لَيْلَـةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَـاءِ الدُّنْيَا، فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ».
والمرادُ بـ «كَلْب»: قبيلةُ بني كَلْبٍ، وقد خصَّهم النَّبيُّ ﷺ بالذِّكْر؛ لأنَّهم أكثرُ نفرًا وأكثرُ غنمًا مِن سائرِ قبائل العـرب، والمعـنى: أنَّ الله ﷻ يغفـرُ لخَلْـقٍ كثيريـن جِـدًّا.
وقد ذهب بعـضُ أهـل العِلْم إلى ضعـفِ الحديثِ المذكور، وذهب آخرون إلى ثُبوتِه عن رسول الله ﷺ، ومنهم الإمام أحمدُ رضي الله عنه.
فَجَاء في «إبطال التَّأويلات»:
قال أحمد بن الحسين: قيل لأبي عبد الله:
إنَّ الله ﷻ ينزل إلى السَّماء الدُّنيا كلَّ ليلة؟
قال: نعم.
قيل له: وفي شعبان كما جاء الأثـر؟
قال: نعم.
ولعلَّ إمامَنا -رحمه الله- قد أثبتَ الحديثَ لأمرين:
الأولُ: كثرةُ شواهدِه، فقد رُوِيَ الخَبَـرُ عن جماعـةٍ مِن الصَّحابة، مِن طُرُقٍ يشُدُّ بعضُها بعضًا.
والثَّاني: أنَّ الأصلَ عند إمامِنا التَّساهلُ في قَبولِ أحاديـثِ فضائـلِ الأعمـال، كمـا قـال: «إذا جـاء الحديثُ في فضائل الأعمال وثوابِها وترغيبِها؛ تساهلنا في إسنادِه».
يعني: إذا لم يكُنْ في الرُّواة كذَّاب، وكانت العِلَّةُ فيهم قِلَّـةَ الضَّبط، فهذا ينجبرُ بكثرةِ الشَّواهد.
فعلى هذا: مَنْ تقرَّب لله ﷻ بطاعةٍ في ليلة النِّصف مِن شعبان، وهو يرجو أنْ تُصيبَه المغفرة؛ فليس هو بمبتدعٍ إنْ شاء الله.
قال شيخ الإسلام ابنُ تيمية رحمه الله:
وأمَّـا ليلـةُ النِّصـف؛ فقـد رُوى في فضلِـها أحاديـث وآثار، ونُقل عن طائفةٍ من السَّلف أنَّهم كانوا يُصَلُّون فيها، فصلاةُ الرَّجلِ فيها وَحْدَهُ قد تَقَدَّمَهُ فيه سَلَفٌ، وله فيه حُجَّة، فلا يُنْكَرُ مِثْلُ هذا.