روحٌ وريحان | لُجين عُمر

@lujain_omar


لُجين عُمر | كاتبة.

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 23:23


كلَّ مرّةٍ أدخل فيها المطبخ، بعدَ سنين قضيتُها في البحثِ عن ذاتي، أشعرُ أنّني مقبلةً على الاستمتاعِ بإحدى هواياتي.
منذُ تزوّجت وأنا أتلذّذُ بتجربةِ صنعِ أطباقٍ جديدة ومتنوّعة.
لطالما وددتُ فعلَ هذا لكن لم يكن لديّ وقتٌ له، والآنَ وقد حظيتُ بالوقت، أجدني كلّما انهمكتُ في التّفكير بأطباقٍ جديدة تردّدتْ: هل هذا ما أريد أن أعيشَ لأجلِه؟ هل سعيتُ وراءَ ما سعيتُ لينتهي بي الأمر هنا؟
وأخافُ أن أغرقَ في أمرٍ يحدّ من إدراكي ونطاق اهتماماتي؛ لذا جرّبتُ أن أستمعَ إلى البودكاست أثناءَ العمل في المطبخ، فشعرتُ بالتّعافي، لأنَّ شيئًا مهمًّا يتغيّرُ بي، هناك ما أتعلّمه، هناك قصة ومشاعر والكثير من الأفكار خلفَ كلِّ طبق .. أدركتُ أنّ المرءَ حينَ يتعلّمُ شيئًا جديدًا أو يفكّر بطريقة مختلفة يشعر بالإنجاز وإن لم يغيّر ساكنًا في هذا العالم.
لهذا قررت مشاركتكم قناتي الصّغيرة على تيليغرام، سأنشرُ فيها يوميًا طبقًا جديدًا مع إدراجِ الوصفة، مرفقًا بهِ مقطع البودكاست الذي عشتُ فيه وأنا أعدّ الطّبق، لعلّكم تنتفعون وتستمتعون بما أقدّم لكم

https://t.me/Lujainkitchen

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 23:20


خلفَ المكتب، كنتُ أجلسُ ثماني ساعاتٍ بصفتي متدربة، في مكان قصيٍّ، هواؤُهُ معبّقٌ بالغُبارِ والملح، درجةُ الحرارةِ تخترقُ حاجزَ الخمسين، وصوتُ الآلات الكهربائية، تحديدًا مولّدات الغاز والبخار وضاغطات الهواء، وكلّ ما يتبع لها من معدّات، ذلك الصّوت كان يملؤُ المكان بالضّجة، حتى أنَّ الأرضيةَ لا تتوقّفُ عن الاهتزازِ الذي سرعان ما تنسى حواسُك الانتباهَ لهُ، مثلَ نظريةِ أنفِك الذي لا تراهُ لأنّه أمامَك طوالَ الوقت.
كامرأة، كان عبءُ التدريب في هذا المكانِ أسهلَ الصّعبِ؛ فلم أكن مضطرّةً للنّزولِ إلى الموقع وتحمُّلِ درجة الحرارةِ الكاوية، أو صوتَ المعدّاتِ التي تتطلّبُ سماعاتِ حمايةٍ لكلّ مَن يمرُّ بجانبِها.
في المكتب، مجرّدَ أن تغلقَ النّافذة تصبحُ الضّجةُ بعيدةً جدًّا، ويتولّى التكييفُ أمرَ درجةِ الحرارة.
صحيحٌ أنَّنا كنّا نعاني في المواصلاتِ قدومًا من محافظاتٍ بعيدة لمنطقةٍ مخدومةً بالحدّ الأدنى من سُبلِ الرّفاهية، ولكنَّ كلَّ شيءٍ كان محتملًا إلى حدٍّ ما، خاصّةً مع احتماليةِ الحصولِ على وظيفة في شركةٍ تقدّمُ رواتبَ مُرضِية بالنّسبةِ إلى غيرِها.
أذكرُ أنّني كنتُ أعتلي كرسيّي وأجلسُ متأملّةً النّاس من حَولي.
عند الساعة الثامنة صباحًا يكونُ معظمُ الموظفين الكادحين قد أدّوا بصمتهم لتأكيد الحضور، لم يلحق أغلبُهم تناول وجبة الفطور ولا حتى إحضار بعضَ الطّعام معه، لم يكن لديهِ وقتٌ ليفكّرَ في الطّعام، إذ رجحتْ كفّةُ النّومِ على كفّةِ الاستيقاظ أبكرَ من العادة لتناولِه.
يزحفون من الفراشِ إلى مواقعِ عملِهم، وليس وراءَ المشهدِ دافعٌ سوى أن يعيشوا.
لطالما كان يعتصرُني الألم وأنا أشاهدُ أولئك الرجال تحت حرارةِ الشّمس اللاذعة، يكابرون على أجسادِهم التي تريدُ أن تتهاوى وتحتاجُ الرّاحةَ بشدّة، لأنّ هذا ما يجبُ على الرّجلِ فعلُه.
أحدُهم كان يقضي نهارَهُ يتجوّلُ في مواقع عديدة، يعودُ إلى مكتبِهِ بوجهٍ شديد الحمرةِ والتعرّق، ومعدةٍ خاوية.
كنتُ أراهُ يتنقّل بين الزّملاء بحثًا عن طعامٍ يرمُّ بهِ عظمَه، فيجدُ أحيانًا قطعة شوكولا، أو خبزةً جافّةً.
كنتُ أقولُ في سرّي: لو رأتْ زوجتُهُ ما يعانيهِ لأجلِ العائلة لبكَتْ حرقةً عليه.
ثمّ قُدِّرَ لي أن أكونَ زوجةً لواحدٍ من هؤلاءِ المكافحين، تزوّجتُهُ فقال لي: لا أريدُ لكِ هذه المعاناة، سأتعبُ عِوضًا عن كلينا، وستتولَي أنتِ أمرَ إراحتِنا.
فقبلتُ ورضيت، وشعرتُ بالامتنانِ لأنّني حظيتُ بفرصةِ أن أرى ظروفَ عملِه، فلولاها لما فهمتُ تعبَه، ولا تمكَنتُ من التّخفيفِ عليهِ كما أفعل.
رُبّما هذا ما يجبُ على الرجال فعلُهُ في زمانِنا، لكنّ نساءَنا لم يعدنَ يكترثن لدورهنّ الحقيقيّ أبدًا.

(وَمِنْ ءَايَٰتِهِۦٓ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَٰجًا لِّتَسْكُنُوٓاْ إِلَيْهَا)

فسَكنُ الرجلِ القوّام زوجةً في قلبِها المودة والرّحمة

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 21:39


"لا تصلحُ المحبةُ بين اثنين، إلّا إذا أمكن أن يقولَ أحدُهما للآخر: يا أنا."
هذا النفيُّ الواضحُ، يخبرُكَ أنَّك لن تُحبَّ بشكلٍ كاملٍ ما لم ترَ نفسَك في عيونِ الآخر .. لن يكمُلَ الحُبُّ بينكما، حتى تُصغي إليه فتشعرُ أنَّ تلكَ الأحاديثَ تخصُّك، كما لو أنَّك المتحدّثُ.
ولا يطالبُك بأن تقعَ مع مَن يشبهُكَ حدَّ التّطابق، ولكنّهُ يخبرُك حقيقةً صغيرةً عن الحُبِّ، مفادُها أنّهُ لا يقومُ على مواصفاتٍ مُعيّنة، ولا يغريهِ المنصبُ والجاهُ والمُحيّا، إنّما يُؤسّسُ نفسَهُ مع الشّخصِ الذي ترى انعكاسَ صورتِكَ في مرآتِه.

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 21:32


لا تزالُ تفاصيلُ بداياتِنا تبهرني كأنّها حدثت للتوّ، مرّتِ الأيام المعدوداتُ على مهلٍ ولكنّي أشعرُ كأنّي أحببتُكَ العُمرَ كلَّه.

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 20:53


- بقلم، لُجين عٌمر

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 20:53


أريدُ أن أخُصَّ لذّةَ صداقتِنا بالحُبّ،
فأنا مندهشة من تفاصيل هذه الصّداقة، دهشةً يطمئنُّ معها القلب، وبها يجدُ السّكنَ ولا يعرفُ للوحدة معنىً.
هذا الأُنسُ الذي هو واحدٌ من أعظمِ نعمِ الحياةِ التي يمنُّ بها اللهُ علينا ويرزقنا معه المودة والرحمة.
أنت صديقٌ بي لهُ احتياجٌ دائمٌ، أشاطرُهُ أفكاري ومشاعري، ألجأُ إليه في تشتّتي فيرتّبني، أخبرُهُ بما يدورُ في رأسي فأتنفّسُ بهذا التّعبير، وأصنعُ معه كلّ الذكريات التي حلمتُ بصناعتِها، كأحلى ما يمكن أن يكون.
لطالما أوسعتُك حبًّا وأنا أخبرُك أنّك حبيبي وروحي وكلّ عمري .. ولكنّني ربّما لم أشرح لك كم يعني لي كونك صديقي فوقَ كلّ هذا
صديقي الذي يفهمني وأفهمه، يهتمُّ بي، يسعى طوالَ الوقتِ ليسعدَني ويرى أثره على وجهي وقلبي وكلّ حياتي، صديقي الذي تعافيتُ بوجودِه معي، حتى صارت العافيةُ حالةً دائمةً لا أرجو عنها حِولًا، ولا أرجو عن حُبِّك حولًا ❤️

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 19:35


ليس هناك عوضٌ دنيويّ عن خساراتِنا .. هنالك أرزاق عظيمة تتبعُ تلك الخسارات، تملأُنا رضىً وطمأنينة، ولكنّها لا تشفي جرحًا ولا تمحو الحقائق التي عشناها.
العوض الوحيد عن هذه الدنيا أن يُغمَس الواحدُ منا غمسةً في الجنة، فيقولُ مُنتشيًا: ما رأيتُ عذابًا قط.
فإذا سألتَ الله العوض لا تبخل على نفسِك بما هو دنيويّ .. بل ازهد بكلّ ما في هذه الدّنيا، وقل: يا ربّ، غمسةً في جنّتِك تمحو كلّ آثار التّعب.

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 19:23


"يخبرُني أنّي تُحفتُهُ، وأساوي آلافَ النّجمات"
عادةً ما كنتُ أراهُ يعبّرُ ويتفاعلُ جسديًا مع الحديث حينَ كنتُ أجلس خلفَ المكتب، وينطلقُ هو في الكلام شارحًا لي أمورًا كثيرة في الهندسةِ الكهربائية .. كنتُ مشدودةً لطريقتِهِ المميزة في الشّرح، مشدودةً للُغةِ الجسدِ التي يوظّفها لأجلِ ذلك. كُنّا مهندسًا وطالبة.
والآن نجلسُ كحبيبَيْن .. هو في مكتبِهِ أثناء دوامِه الليليّ، وكُرسيّي أصبحَ شاغرًا بعدَ أن غادرتُ المكانَ الذي جمعَنا .. أمّا قلبَيْنا فَمُمتلئَيْن بالحُبّ .. عبرَ الهاتف، يشرحُ لي بنفسِ اللغةِ والطّريقة، كيف تدهشُهُ تفاصيلي كلّ مرة، وكيف تتجددُ هذه الدهشة كأنّهُ يراني للمرةِ الأولى، بدا صادقًا جدًا في شعورِه، فقد تطابقتْ لغةُ جسدِهِ معها يومَ كان يشرحُ لي كيف تعمل المولدات الكهربائية .. فتلك اللغة لا يوظّفها إلّا حينَ يشرحُ الحقائق.

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 19:15


روحٌ وريحان | لُجين عُمر pinned «من ذكريات المصلّى-الجامعة الأردنية. ٩ تموز ٢٠١٩. بين حائطَيّ غرفةٍ صغيرةٍ، يفصلهما متران فقط، و هواءٌ ساخنٌ، و رائحةٌ نتنة، كنا نجلسُ على الأرضِ، وسطَ فوضى الطّالباتِ، و ملابس الصّلاة، و السجادات المفروشة على الأرضية بعشوائية. نتحدّثُ بصوتٍ خافتٍ خشيةَ إزعاجِ…»

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 18:59


"لا تصلحُ المحبةُ بين اثنين، إلّا إذا أمكن أن يقولَ أحدُهما للآخر: يا أنا."
هذا النفيُّ الواضحُ، يخبرُكَ أنَّك لن تُحبَّ بشكلٍ كاملٍ ما لم ترَ نفسَك في عيونِ الآخر .. لن يكمُلَ الحُبُّ بينكما، حتى تُصغي إليه فتشعرُ أنَّ تلكَ الأحاديثَ تخصُّك، كما لو أنَّك المتحدّثُ.
ولا يطالبُك بأن تقعَ مع مَن يشبهُكَ حدَّ التّطابق، ولكنّهُ يخبرُك حقيقةً صغيرةً عن الحُبِّ، مفادُها أنّهُ لا يقومُ على مواصفاتٍ مُعيّنة، ولا يغريهِ المنصبُ والجاهُ والمُحيّا، إنّما يُؤسّسُ نفسَهُ مع الشّخصِ الذي ترى انعكاسَ صورتِكَ في مرآتِه.

لُجين عُمر.

____________________________
المقولة في بداية النّص للرّافعي، ويقالُ أنَّها لأحدِ الصّوفيين.

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 18:29


أن يُصبحَ تاريخُ شخصٍ لك أيضاً
أن يصير لكَ حقٌ فيه
وتغريكَ الفكرةُ ذاتُها
أن يصيرَ شخصٌ بما كان يُخفيه عنكَ وعن العالمِ أجمع، بادياً
وما أبداهُ لكَ إلا حلالاً
فاستحققتَهُ وحدك.

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 18:18


Channel photo updated

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 18:12


"أربعٌ وعشرون."

في كلِّ مراحل حياتي، كنتُ أكتبُ بشراهة، وأصبُّ مشاعري في الكلماتِ صبًّا.
اليوم، في ذكرى ميلادي الأولى معًا، جلسَ يسردُ لي حكايتَنا من وجهةِ نظرِ شخصٍ ثالثٍ، فتأملتُ حالَ قلبي حتى يومَنا هذا، أدركتُ أنّني توقّفتُ عن الكتابة منذُ اليوم الذي صالحتُ فيهِ الحياةَ حتى لم أعد أملك ذلك الكمّ الكبير من المشاعر التي ليس لها منفذٌ سوى النّصوص.
اليومَ بينَ ذراعيْهِ وجدتُ المنفذَ لكلّ المشاعر التي قضتْ ثلاثًا وعشرين سنةً مقيّدةً في قلبي، آلافُ الأسباب تمنعُها من أن تكون.
اليومَ كينونتُنا أصبحتْ مرتبطةً بتلك المشاعر الحُرّة التي وهبها لنا الله حلالًا نستلذُّ بعيشِه، وتستطيبُ به الحياة.
في تلك اللحظةِ أدركتُ كم أصبحتُ بغنىً عن الكتابة، التي كانت رفيقتي الوحيدة طوال ثلاثٍ وعشرين عامًا، لأنّني الآنَ حظيتُ برفيقِ دربٍ طلبتُهُ من اللهِ جملةً وتفصيلًا في دعاءٍ حزينٍ، فأهدانيهُ شفاءً وعافيةً ورحمةً عن كلِّ ما مضى دونَه.
مع هذا الرّفيق أنا أمارسُ الكتابة رفاهيةً، لا احتياجًا. ❤️

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 17:33


- أنا كنتُ في شوقٍ دائمٍ إليك قبلَ أن ألقاك.
- فكيفَ يا ربّي تعاظمَ الشّوقُ بلُقياكِ أكثر.

لُجين، عُمر 🤍

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 16:54


استيقظتُ صباحًا على رنّةِ المنبّه الثالثة، بعدَ أن قامت أختي التي تخرجت منذ ثلاث سنوات، وامتعضت من صوتِ المنبه الذي تكرّرَ عدّة مراتٍ في ربع ساعة.
كنتُ في اليوميْن الأخيرَيْن أُعاني حُمّى البرد، التي لا زالت آثارُها في جسدي وأنا أكتبُ هذا، لكن لا بأس، أستطيعُ اليومَ -عكسَ البارحة- أن أذهبَ للجامعة.
حينَما خرجتُ من البيتِ كان الجو باردًا والمطر غزيرًا، لكنّ معطفي المقاوم للماءِ كان دافئًا بما يكفي، فنزلتُ إلى موقفِ الباصِ السّريع، وقررتُ الرّكوب بأوّلِ باصٍ يصلُ إلى الموقف، فكلا مساريْهِ يصلحان للذّهاب إلى الجامعة، ولكنّ الباص الذي وصلَ أولًا كان سيقطعُ بي مسافةً قصيرة، لأنزلَ بعدَها مستقلّةً باصًا آخر، صعدتُ على أيةِ حال، كنتُ مبلّلةً جدًّا عندَما أخرجتُ بطاقةَ الـ "ڤيزا" من محفظتي ووضعتها على جهازٍ ليتمّ اقتطاع أجرة الباص .. ولكنّها كانت من البطاقات القليلة التي لا يتعرف عليها هذا الجهاز .. وليس هنالك وقت كافٍ لأجدَ حلًّا آخر قبلَ أن يقطعَ الباصُ المسافةَ القصيرة التي ذكرتُها.
لكنّني بسرعةٍ قياسية قمتُ عبرَ الدّفع الإلكتروني بشحنِ بطاقة الباص، ولحسن الحظّ أنّني ختمتُ قبلَ أن أصل.
وحينَ وصلتُ حيثُ كان مفترضًا بالباص الآخر أن يكون، كان قد فاتني، ولا توجدُ وسيلةٌ غير "التاكسي" للوصولِ إلى الجامعة. فاستقليتُ واحدًا، شقَّ طريقَه من بينِ الزّحام، امتعضَ وتذمّر من تعامل شرطيّ المرور معه، بدا وكأنّني أنقذتُهُ من إلحاحِ الشرطيّ على ضرورةِ أن يمضي في طريقِهِ وألّا يقفَ بانتظارِ الركاب.
ثمّ علقنا في أزمةِ السّيرِ، وبدا أنّ عجلَ السّيارة بحاجةٍ إلى هواء، ورغم أنّ القليلَ من الوقتِ قد تبقّى على محاضرتي، إلّا أنا صاحب التكسي استأذن بالقليل من الوقت لنفخِ العجل، فقدّرتُ الأمرَ وتقبّلتُه.

روحٌ وريحان | لُجين عُمر

20 Jan, 16:14


ثلاثمئة وخمسٌ وستّونَ يومًا، مرّتْ من العُمرِ فأسَّستْ لبقيةٍ نرضاها ما دُمنا فيها معًا.
لا يزالُ عَدُّها ممكنًا، وإحصاءُ ذكرياتِها كذلك .. فلا زلتُ أحتفظُ بذاكرتي بتفاصيل لقائِنا الأول، الذي نحتفي بذكراهُ اليومَ ونحنُ معًا كما ارتضى الله للمتحابين أن يجتمعوا على سُنّتِهِ ورسولِه.
نحنُ معًا، استجابةً لدعاءِ كُلٍّ منّا بأن يرزقَهُ اللهُ الحُبَّ الذي ينقصُه مع الشّريكِ الذي نرضى بكلِّ ما فيه .. ونتأمّلُ تفاصيلَ اللّقاءِ مدهوشين بأنّ الاستجابةَ جاءتْ دقيقةً جدًّا، مدهشةً، وبها من الرحمة ما لم نتخيّلْهُ ونحن ندعو.
نحنُ معًا، شاهدين على "فادعوني أستجب لكم "
وأنّ الطيبين للطّيبات، ووعدُ اللهِ حق، وأنّ الله عند ظنِّ العبدِ به، لا وبل يفوقُ لطفُهُ آمالُنا .. ونشهدُ أنّ كلَّ شيءٍ أُنزِلَ بقدرٍ ولحكمة، وبقدرِ الابتلاء تأتي المكافأة، فالجزاءُ من جنسِ العمل.
أمّا وقد اختتمْنا عامَنا الأول -منذُ التقينا أول مرة- إلى أن ارتبطنا بميثاقٍ غليظ، حتى يومِنا هذا، فإنَّ يا قلبي في القلبِ أمل ورجاء، بأن يُكملَها ربّ العالمين علينا، فنُتمَّ أعوام عُمرِنا القادمة شاهدين على المزيد، مُكلّلين فرحتَنا القادمة بنصرِ أُمّتِنا، حتى يجمعُنا بيتٌ واحدٌ يقومُ على عزّةِ الإسلام، فننجبُ أطفالًا كُثُر -كما تقولُ دائمًا لي- ونحدّثُهم طويلًا عن لقائنا، وأنّ الذّكرى الأولى تزامنتْ ومعركة التّحرير، تزامنت وتاريخ شهادةِ إخواننا في غزة، وشهِدْنا خلالَها الكثير معًا، فصبرَ المرابطون ورُبِطَ على قلوبِ المكلومين، ورأى الله فيهم خيرًا، فجزاهُم خيرًا، ونصرَهم وشفى صدورَهم، وغلبَ بعزّتِهِ أعداءَهم، حتى جاءَ نصرُه والفتح ورأينا النّاس يدخلون في دينِهِ أفواجا.
ألسنا شاهدين على "أستجب لكم" وها نحنُ ندعو بالنّصرِ، وكلّ ظنّنا بالله خير .. وكما أكرمنا في ما مضى سيكرمُنا بما هو آت.

١٦ نوڤمبر ٢٠٢٣
لُجين