قلت وليس المقام مقام تحرير معنى الفطرة
ولكن المعنى ذكر أن الصحيح عن إسحاق بن راهويه هو الكلام عن الفطرة الأولى التي ذهب في مفهومها أنها ما سبق من علم الله في العبد وما طبع عليه من كفر وايمان
فكلامه من باب قول الله تعالى [هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ]
روى الطبري في تفسيره حدثني المثنى قال، حدثنا عبد الله قال، حدثني معاوية، عن علي، عن ابن عباس، قوله: (كما بدأكم تعودون فريقًا هدى وفريقًا حق عليهم الضلالة) ، قال: إن الله سبحانه بدأ خلق ابن آدم مؤمنًا وكافرًا، كما قال جل ثناؤه: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) ، [سورة التغابن: 2] ، ثم يعيدهم يوم القيامة كما بدأ خلقهم، مؤمنًا وكافرًا
وقال حدثني المثنى قال، حدثنا إسحاق قال، حدثنا أبو همام الأهوازي قال، حدثنا موسى بن عبيدة، عن محمد بن كعب في قوله: (كما بدأكم تعودون) ، قال: من ابتدأ الله خلقه على الشِّقوة صار إلى ما ابتدأ الله خلقه عليه، وإن عمل بأعمال أهل السعادة، كما أن إبليس عمل بأعمال أهل السعادة، ثم صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه. ومن ابتدئ خلقه على السعادة، صار إلى ما ابتدئ عليه خلقه، وإن عمل بأعمال أهل الشقاء، كما أن السحرة عملت بأعمال أهل الشقاء، ثم صاروا إلى ما ابتدئ عليه خلقهم
فالمقصود أن الصحيح الموافق لأصول الامام إسحاق أنه كلامه كان عما جبل عليه الناس وفطروا عليه فمنهم المؤمن ومنهم الكافر
وأن الناقل سواء الذهبي أو ابن الصامت أو المروزي نفسه نقله بالمعنى واختصره فقال لفظا عُرِفَ عن الامام انكاره والتغليظ فيه
قال حرب بن إسماعيل: سمعت إسحاق بن إبراهيم وسئل عن الرجل قال: القرآن ليس بمخلوق، ولكن قراءتي أنا له مخلوقة؛ لأني أحكيه، وكلامنا مخلوق.
فقال إسحاق: هذا بدعة، ولا يقار على هذا حتى يرجع ويدع قوله هذا .
"مسائل حرب" 423
قلت وهنا إسحاق يصرح بأن التفريق بين القراءة من جهة أنها فعل العبد فهي مخلوقة
والقرآن المقروء بأنه صفة الله غير مخلوق
أن هذا التفريق بدعة لا يقر عليها
ثم بعد ذلك ينسب له أفراخ اللفظية أنه يقول الايمان مخلوق على جهة الحركة والفعل جائز صحيح ....
ثم يقال لهؤلاء العجم من الفلاسفة وأزواجهم المتكلمين
جملة [الإيمان بحركتي أوبفعلي مخلوق ] أو [الايمان مخلوق]
ألا تعلم أنه حكم على نفس الإيمان الذي هو مبتدأ بالخلق الذي هو خبر
لأن الخبر هو حكم على المبتدأ في المعنى والدلالة اللغوية
فأنت تحكم على الايمان بالخلق
فإن قال أنا قيدت قلت بحركتي وفعلي ...؟
فالجواب هذا القيد لا أثر له لأن الايمان ذو شعب كلها يطلق عليها اسم الايمان سواء كان قولا أو عملا ظاهرة أو باطنة
فجميعها يشملها اسم الايمان فمن أطلق اسم الخلق على جهة منها أو جهة منها فهو حاكم على نظيرها شاء أو أبى ولا ينفع مقصوده
فلو قال شخص عن شعبة لا اله الا الله مخلوق باعتبار حركة لساني وشفتي فهو كافر كما لو قال الصلاة مخلوقة ونحو ذلك لأن جميعها تسمى ايمانا
قال الخلال: أخبرني علي بن الحسن بن هارون، قال: حدثني محمد ابن أبي هارون، قال: سمعت جعفر بن أحمد بن سام، عن أحمد بن حنبل قال: قال أصحاب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-حين حولت القبلة إلى البيت: فكيف بصلاتنا التي صلينا إليها، فأنزل اللَّه {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} [البقرة: 143] فسمعت أحمد بن حنبل يقول: فجعل صلاتهم إيمانًا، فالصلاة من الإيمان.
"السنة" للخلال 1/ 466 (1034)
ومما يدل على هذا ويؤكده ما رواه الخلال في السنة حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: ثنا أَحْمَدُ بْنُ إِسْحَاقَ بْنِ عِيسَى الْبَزَّازُ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: قَدِمَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ صُورٍ مُعَرَّفٌ بِالصُّورِيِّ مُتَكَلِّمٌ، حَسَنُ الْهَيْئَةِ كَأَنَّهُ رَاهِبٌ، فَأَعْجَبَنَا أَمْرُهُ، ثُمَّ إِنَّمَا لُقِيَ سَائِلًا فَجَعَلَ يَقُولُ لَنَا: الْإِيمَانُ مَخْلُوقٌ، وَالزَّكَاةُ مَخْلُوقَةٌ، وَالْحَجُّ مَخْلُوقٌ، وَالْجِهَادُ مَخْلُوقٌ، فَجَعَلْنَا لَا نَدْرِي مَا نَرُدُّ عَلَيْهِ، فَأَتَيْنَا عَبْدَ الْوَهَّابِ الْوَرَّاقَ، فَقَصَصْنَا عَلَيْهِ أَمْرَهُ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا هَذَا؟ ائْتُوا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ؛ فَإِنَّهُ جَهْبَذُ هَذَا الْأَمْرِ، قَالَ أَبِي: فَأَتَيْنَا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، فَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ مِنَ الْمَسَائِلِ الَّتِي أَلْقَاهَا عَلَيْنَا، فَقَالَ لَنَا أَبُو عَبْدِ اللَّهِ: «هَذِهِ مَسَائِلُ الْجَهْمِ بْنِ صَفْوَانَ، وَهِيَ سَبْعُونَ مَسْأَلَةً، اذْهَبُوا فَاطْرُدُوا هَذَا مِنْ عِنْدِكُمْ»