بـسـم اللٰه الرحمـٰن الرحـيم.
﴿إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾
بأبلغ آيات العزَّة، وبأكمل معاني الإباء والثبات تنعـىٰ أوراق الحركة الإسلامـيّة إلى أمَّـة الإسلام جمعًا، وإلى كلِّ حرٍ، شـيخ الحروب وكهلها وفتاها، سيُّد الطوفان وقائد المجاهدين، الذي جاهد بنفسه وجاهد بقلمه وجاهد بصوته وجاهد بسلاحه.. وجاهد المنافقين، شادًا عنان فرسه في سبيل الله، إن كان في الحراسة كان في الحراسة وإن كان في الساقة كان في الساقة، حتى فتحت لروحه المخلَصة أبواب السماء واصطفاه الله شهيدًا كريمًا عزيزًا مقامة بها الحجّة في حياته وفي شهادته.
ننعـى القائد سيّد المجاهدين ورمز الأحرار: يحـيىٰ السـنوار (أبو إبراهيم)
رئيس المكتـب السياسيّ لحركة المُقاومة الإسلاميّـة (حمـاس) وقائد معركة طُوفان الأقصى.
الذي أدَّى الشهادة، وأسلم الروح وارتقى عزيزًا كما عاش، مقتحمًا مشتبكًا لآخر زفرة نفس وقطرة دم، مقبلًا متقلَّدًا سلاحه.. وغيرَ متوقع الحركة أبدًا، مبطلًا به الله نفاق اليهود، كما أظهر به من قبل ضعف بأسهم ودكَّ به حصونهم المشيدة وجدرهم الواهية، فكان مصداق المؤمن الذي يرى بنور الله ويبطش بيد الله ويصول بحوله.
ترك القائد الشهيد حياته، سَفرًا من الشموخ والعبر، فكان الفتى الذي درَب على العمل الجهاديّ، والأسير الذي جعل سنوات أسره الثلاث والعشرين سجل قهرٍ وإذلال للباغي الصهيوني حتى خرج أبيا متنقلًا من ثغرٍ لثغر ومن رباط لآخر إلى أن تقدَّم الطوفان الذي لا عاصم بعده من أمرِ الله، فجاءت الملاحم تترا شاهد عليه بالصبر في مجال الموت والصمود في ميادين الرباط إلى أن تمّت له الحسنى وجاءته البُشرى ولحق بركب الخالدين وإخوة الجهاد فكان إذكاء لذكرهم ونورًا مقتبسا منهم تاركًا بقيّة الله فيهم لكل مجاهد مؤمن ساعٍ لأن تسود في الدُنى عدالة السماء.
السلامُ على السيّد يحيى وهو الفتى المشغول بالقضيّة، السلام عليه وهو الأسيرِ في السجون القصيّة، السلام عليه وهو كهلُ الحرب من أذاق الصهاينة الدنية، السلام عليه ما عاش عزيزًا كريمًا نبيلا مرضيا.. السلام عليه:
يُمضي الحياةَ بِصَمْتِ الغائبين، وما
يغادرُ العيشَ إلا ذائعَ الصِّيتِ
الشهادةُ التي أدَّى، نورٌ للأحرار من بعده، وتوقُّد للثأر في كل نفسٍ أبية، لا تزيد المجاهدين إلا صبرًا على التقدّم في دربه إيمانًا بما آمن به واستكمالا لما عاهد الله عليه ووفاء لدماءٍ زكيّة.
مضى السنوار، متلثمًا ممتشقًا جبة الحرب، جنديًا من جنود الله في صفوف متقدّمة، يرفع الراية بيمينه حتى إذا سقطت يمينه ضمّها إلى صدره، وحاله حال الفاتحين من الصحب والنفر الكرام من كانوا وقوفا جنبًا إلى كل مقاتل حتى يؤدوا الأمانات وهم أعزة مكرمون.
ولهي شجاعة ابن الزبير في مشهده الأخير حين انبرى قائلا: يا آل الزبير صُونوا سيوفكم كما تصُونون وجُوهكم، لا أعلم امرأ كسَر سيفه واستبقىٰ نفسَه..ولَا يُلهينكم السُّؤال عنِّي، ولا َتقُولن: أينَ عبد الله بن الزبير؟ ألَا مَنْ كان سائلًا عنِّي فإني فِي الرَعيلِ الأول.
مضى السنوار، غارسًا آخر فسيلة بيده، مُلقٍ عصا الرحيل شوكة مسمومة في حنجرة كل متكبّر جبّار، وحاله: "فوالله لو لم أجد إلا الذر لقاتلتكم به"
ونادته الغُرف الدريّات: ألقِ عصاك.. فما عندنا لضيفٍ رحيل!
تقبّل الله أبا إبراهيم، صاحب الطوفان، والحجة البالغة على كلِّ من بيده عصاه، تقبّل الله السنوار، وزكّى جسده في الأجساد، وروحه في الأرواح وأعلى مقامه بين مقامات الشهداء والنبيين والصالحين وحسن أولئك رفيقا، تقبّل الله شهيد الأمّة وقد ختم كتابه كفاتحة للتحرير، لأن تكون فلسطين من البحر إلى النهر وعاصمتها القُدس المطهّر، قبلةً أولى ومحط رحال.
ترجّل عن مَتن الجوادِ جَسُورُ
وأُغمد سيفٌ لليهودِ مُبيرُ
فلا يحسبوا أنّا وَهَنّا بفقدِهِ
فمِن خَلفِه منّا كُماةٌ كثيرُ
لهم عزّةٌ تأبى الهوانَ، وشوكةٌ
تفلُّ شَباة الحرب حينَ تفورُ
وما ظَفَرُ الأعداءِ من باسلٍ إذا
يقال: هناك الموتُ؛ راحَ يطيرُ؟
أوراق الحركة الإسلاميّـة- السودان.
السبت: 16 ربيع الآخر. 1446 هـ.
الموافق: 19/ أكتوبر/ 2024 م.