.
(1)
رأيي عدم الاشتغال بكلام الطاعن ، لأن بحوث الشيخ وكتبه تدل على مكانته العلمية، والأخ المذكور لا نعرف له بحثا علميا متقنا، سوى أنه من طلبة العلم وله بعض الفيديوهات التي يشرح فيها بعض الكتب ويرد بها على الوهابية، جزاه الله خيرا وجعل ما قدم خالصا لوجه الله.
.
لكن هذا لا يرقى به وحده، ليجعل نفسه برأس العلماء الكبار وإن ظن فيه طلبته ذلك، وهو يزري بنفسه إن وضع نفسه أكبر من حجمها؛ فلولا علاقته ببعض المشايخ في مصر ما عرفه أحد.
.
فإذا أضيف إلى ذلك حزبيته وعصبيته المعروفة منذ زمن، واشتغاله بالسياسة وتعصبه لحزب معين فيها، وقلة بصره بالأمور على غير ما ينبغي لمشتغل بالعلم = كل هذا يجعل كلامه ساقطا عن الاعتبار، والاشتغال بكلامه حط من قدر من يشتغل به، ثم جعل كلامه ميزانا لأمثال الشيخ محمد تقي العثماني حط من قدر الشيخ؛ فالسيف لا يقارن بالعصا.
.
ولا يعني هذا وجود النقاش العلمي في بعض ما كتبه الشيخ العثماني ، فهذا مما لا يخلو منه عالم، لكن الاتهام بالأخونة والإرهاب والوهابية لوجود مسائل يخالف فيها المذكور -وهو ليس اهلا للخلاف ولا التحقيق- = نوع من الهوس وقلة التوفيق.
.
ثم إن تقييم الناس بناء على مسائل ظنية تقبل النظر كالأمور السياسية وفروع الفقه والاعتقاد = من التعصب المذموم، فأشبه بهذا الوهابية الذين يدندن بذمهم ليل نهار، إذ المنهج واحد.
.
ثم في السياق نفسه يهاجم أستاذا سوريا فاضلا معروفا بالاشتغال بالعلم وله مصنفات لاقت قبولا ثم تعييره بالاغتراب عن وطنه وسبه بما لا يليق= لا يصدر إلا من نفس مريضة لم تتزك ، ولا تعرف للناس إعذارا ولا رحمة وإن التحف بحكم ابن عطاء الله ونشر بعضها. لا يصدر مثل هذا ممن يشتغل بالعلم، والعلم عقل هادئ وإنصاف من النفس، وليس معارك وردود، ولا انتصارا للنفس على مسرح السياسة.
.
ثم رميه بعض الجماعات الإسلامية -الإخوان المسلمون- بأنها تكفيرية = يدل على عدم علمه بمقولات الناس، وأن المسألة محض هوى لإرضاء طرف ما أو الانتقام من طرف ما. والخلاف مع الإخوان لا يبيح ظلمهم ولا الافتراء عليهم. فالمسألة نفس قلقة ، وعقل حائر ، واضطراب وجداني واضح منذ زمن ، فلا هو تبليغ عن الله ولا بيان عن وحيه ،كما هو الواجب على من يشتغل بالعلم!
.
(2)
.
وأما الخلاف بين إخواننا البريلوية والديوبندية = فلابد أن ينتهي؛ إذ وصل الأمر إلى حد غير مقبول منذ زمن، والمؤمن أخو المؤمن، وعلى علماء القارة الهندية أن يجمعوا ولا يفرقوا وأن يعلموا طلبة العلم ما يقبل الخلاف وما لا يقبل، وكيف نتعامل مع المسائل الخلافية، لينتهي الخلاف بينهما كما انتهي مع غيرهم من أئمتنا برد الخلاف إلى أدب العلم والدين، ووضع الأمور في نصابها برد الفروع إلى الأصول، والظنيات إلى القطعيات، والمتشابهات إلى المحكمات ..
.
وغالب خلافات هاتين الجماعتين الفاضلتين في ألفاظ لم تفهم أو تقريرات قاصرة مع الحكم على النوايا، أو تعصب لمسائل جزئية لا يكفر بها أحد ولا يبدع بها، وكلاهما إلى خير، وكلاهما ينبغي أن يوجه جهده في تعليم المسلمين ونشر الإسلام بين الهندوس، وحل مشاكل المسلمين في تلك البلدان -وأظنها كثيرة- أولى بهم وأقوم قيلا.
.
ولا يليق بالمشتغلين بالعلم من العرب الدخول إلى هذه الساحة إلا بالإصلاح لا التحزب لفريق منهما، وأول طرق الإصلاح أن يعلن الديوبندية والبريلوية التزامهما مذهب أهل السنة فقها واعتقادا وسلوكا لتتم المحاكمة إلى هذا الأصل ، فالخلاف على هذه الأرضية يحل الكثير من المشاكل. فإذا فعلوا بقي النقاش العلمي فيما يقبل الخلاف قاصرا على أهل العلم، وعلى طلبة العلم عدم الانجرار إلى هذه الخلافات، واشتغال طالب العلم بهذه الأمور من تسويلات الشيطان إذ يهيء له أنه يدافع عن الحق ومشتغل بالمفيد وهو مازال مقلدا لا محققا، فواجبه الاشتغال بتحصيل العلم حتى يقف على حقائق الأمور بنفسه، مع إحسان الظن بكل مسلم، وحمل تصرفات إخوانه على أحسن المحامل، لينحصر النقاش في دوائر ضيقة لا تؤثر على وحدة المسلمين ولا طلبة العلم فيهم.
.
وقد قلت قبل ذلك بمناسبة بعض المتعصبين للشيخ القرضاوي والمتعصبين ضده، والمتعصبين للشيخ البوطي والمتعصبين ضده = إن طالب العلم مستفيد من كل العلماء، فليس العلم حزبية ولا عصبية لفلان من الناس أو لجهة من الجهات، بل منهج هادي لا صاخب، فإذا دخله الصخب حضرت الانفعالات النفسية وقلت التحقيقات العلمية ووقعنا في الحيرة والضلال والتبس الأمر على الناس من ورائنا ، عملا بقول النبي صلى الله عليه وسلم (احرص على ما ينفعك) وفي كل عالم ما ينفع وفي كل مدرسة نافع، فالخير قسمة بين الناس.
.
نسأل الله لكل طلاب العلم التوفيق ، وأن يفتح الله لهم عين البصيرة، وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن!