الإسلام حين حث على الجـ.ـهاد، فإنه ربط بأمرين، كل منهما له حضور في قضية اغتصـ.ـاب فلسـ.ـطين، وهما: : الأول: القـ.ـتال في سبيل اللّه سبحانه، المتمثل بقـ.ـتال من تجرأ على المقدسات، واستولى على بيت المقدس، أولى القبلتين..والذي يقدسه المسلمون عامة، وفيه محاريب الأنبياء، وباب حطة وما إلى ذلك.. . الثاني: القـ.ـتال في سبيل المستضعفين، فإن نفس الاستضعاف مرفوض بمنطق القرآن والإسلام، بغض النظر عن الخسائر المادية، وغيرها. . وقد أوجب اللّه على الناس القـ.ـتال ضد من يستضعف الناس، ويقهرهم حتى لو لم يأخذ منهم أرضا أو مالا، أو ما إلى ذلك. . و قد قال تعالى مشيرا إلى هذين الأمرين: وَ مٰا لَكُمْ لاٰ تُقٰاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اَللّٰهِ وَاَلْمُسْتَضْعَفِينَ [الآية 75 من سورة النساء]. . وقد أصبح التعدي على المقدسات، والاستضعاف للناس أكثر حضوراً وظهوراً فيما يجري على أرض فلسـ.ـطين.
ولا بد من إبراز هذا و ذاك في كل هذا النضال والجـ.ـهاد ضد الغـ.ـاصب المستكبر، ولايصح تجاهل الجانب الإنساني في هذه القضية، لأن أية قضية إذا أفرغت من محتواها الإنساني؛ فإنها تفقد زخمها و قوتها، ورافدها العاطفي، وقد يصل الأمر بهذا الإنسان العادي إلى حد القول: بأنه لماذا يقـ.ـاتل و يضحي؟ ما دام أن الأرض يمكن أن تباع و تشترى، ويقايض عليها، و الإنسان وحده هو الأعلى والأغلى؛ فلماذا إذن تزهق النفوس و الأرواح في سبيلها، ما دام يمكن الاستعاضة عنها بثمنها، ثم الاحتفاظ بهذا الإنسان ومواهبه وطاقاته لما هو أهم، ونفعه أعم؟. . وحتى بالنسبة للمقدسات في بيت المقدس أيضاً، فقد تجد من يقول: ليكن لأنصاف الحلول فيه مجال، ولن يمانع الإسرائيـ.ـليون من وصول المسلمين إلى مقدساتهم في كل حين، وممارسة عباداتهم فيه بحرية، إذا كانوا هم الحكام. . نعم، يمكن أن يخطر كل هذا في ذهن الإنسان العادي. . و لربما يؤثر هذا الخاطر على تعامله مع أقدس قضية، فيما إذا فصل الجانب الإنساني و العاطفي والإسلامي عن الأرض، فيضعف الدافع لتحريرها. . وهناك الكارثة الحقيقية والخيانة والجـ.ـريمة الكبرى، إذا، فلا بد أن تبقى المآسي والمظالم التي تعرض ويتعرض لها الشعب الفلسـ،ـطيني ماثلة للعيان أمام المقـ.ـاتل المسلم و المؤمن بعدالة قضيته، ليندفع إلى التضحية و الفداء في سبيل قضيته المقدسة، بروح رضية، ونفس أبية، وليمتزج من ثم الوعي بالعاطفة، وكلاهما بالإيمان.
مع التأكيد على أنه ليس للمسؤولين والسياسيين أن يربطوا مصيرهم ومصير أمتهم بأولئك المنحرفين، و لا أن يثقوا بهم، لأن أولئك المنحرفين سوف يدفعونهم في النهاية ثمنا لمصالحهم، ويساومون عليهم وبهم.