فأهل الرضا إلى النعيم و أهل الحقد إلى الجحيم !
أما الدنيا فليس فيها نعيم و لا جحيم إلا بحكم الظاهر فقط بينما في الحقيقة تتساوى الكؤوس التي يتجرعها الكل ..
و الكل في تعب.
إنما الدنيا امتحان لإبراز المواقف ..
فما اختلفت النفوس إلا بمواقفها و ما تفاضلت إلا بمواقفها ..
و ليس بالشقاء و النعيم اختلفت و لا بالحظوظ المتفاوتة تفاضلت و لا بما يبدو على الوجوه من ضحك و بكاء تنوعت.
فذلك هو المسرح الظاهر الخادع.
و تلك هي لبسة الديكور و الثياب التنكرية التي يرتديها الأبطال حيث يبدو أحدنا ملكًا و الآخر صعلوكًا و حيث يتفاوت أمامنا المتخم و المحروم.
أما وراء الكواليس.
أما على مسرح القلوب.
أما في كوامن الأسرار و على مسرح الحق و الحقيقة !
فلا يوجد ظالم و لا مظلوم و لا متخم و لا محروم ..
و إنما عدل مطلق و استحقاق نزيه يجري على سنن ثابتة لا تتخلف حيث يمد الله يد السلوى الخفية يحنو بها على المحروم و ينير بها ضمائر العميان و يلاطف أهل المسكنة و يؤنس الأيتام و المتوحدين في الخلوات و يعوض الصابرين حلاوةً في قلوبهم .. ثم يميل بيد القبض و الخفض فيطمس على بصائر المترفين و يوهن قلوب المتخمين و يؤرق عيون الظالمين و يرهل أبدان المسرفين .. و تلك هي الرياح الخفية المنذرة التي تهب من الجحيم و النسمات المبشرة التي تأتي من الجنة .. و المقدمات التي تسبق اليوم الموعود ..
يوم تنكشف الأستار ..
و تهتك الحجب..
و تفترق المصائر إلى شقاء حق و إلى نعيم حق ..
يوم لا تنفع معذرة.. و لا تجدي تذكره !!
و أهل الحكمة في راحة لأنهم أدركوا هذا بعقولهم و أهل الله في راحة لأنهم أسلموا إلى الله في ثقة و قبلوا ما يجريه عليهم و رأوا في أفعاله عدلًا مطلقًا دون أن يتعبوا عقولهم فأراحو عقولهم أيضا، فجمعوا لأنفسهم بين الراحتين راحة القلب و راحة العقل فأثمرت الراحتان راحة ثالثة هي راحة البدن .. بينما شقى أصحاب العقول بمجادلاتهم ..
أما أهل الغفلة و هم الأغلبية الغالبة فمازالوا يقتل بعضهم بعضًا من أجل اللقمة و المرأة و الدرهم و فدان الأرض، ثم لا يجمعون شيئا إلا مزيدًا من الهموم و أحمالًا من الخطايا و ظمأ لا يرتوي و جوعًا لا يشبع.
فانظر من أي طائفة من هؤلاء أنت ..
و اغلق عليك بابك و ابك على خطيئتك.
كتاب " أناشيد الإثم والبراءة "