الذين غضبوا حين وصف سيد قطب رحمه الله مجتمعاتنا بأنها "جاهلية" عليهم أن ينظروا جيدا في الحالة التي يرثى لها لهذه المجتمعات العربية المسلمة.. بحر من البشر في أقاليم ضخمة وموارد جبارة على جميع الأصعدة، ثم نراقب أنفسنا إذ تُمتهن كرامتنا ودماؤنا وأعراضنا وأموالنا، ونبقى عاجزين عن الفعل الحقيقي الذي نغير به أحوالنا، بل تبقى فئام كثيفة منا غارقة في مستنقعات التفاهة والذل والخيبة!
لو لم تكن هذه الأمة مغيّبة عن الإسلام الحق لَما كانت تعيش هذه الحالة من التنكّر لشريعة كتابها الذي خصها الله به، فرضيت الاستعاضة عنها بشرائع الجاهلية المعاصرة وأعرافها وأخلاقها التالفة، ولَما قبلت التولي بالولاءات الوطنية والقومية النتنة، عوضا عن الولاء لله تعالى ولرسوله صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين. وكما لا يُجمع في غمد سيفان، فلا يُقبل في قلبٍ شريعتان أو ولاءان.
إن الشريعة وحدها، حين نفهمها ونأخذها بقوة، هي التي تعلمنا معنى أن نتحرر، وإن الولاء الإسلامي وحده، حين تخالط بشاشته القلوب، هو الذي يلهمنا معنى أن نتعاضد ونتكاتف ونرى أنفسنا نفسا واحدة. ولكنّا ابتلينا بسرطانات فكرية وشعورية وقانونية وأخلاقية ربضت على قلوبنا وأعاقتْها عن النهوض وعن رؤية المأساة بعمقها البعيد.
نحن نعيش أشد حالات الغربة عن دين الله، ولو عاد صحابيٌّ أو تابعي بل مسلم عادي عاش منذ قرون، ثم نظر إلى حال الأمة وهي تراقب فئة صغيرة منها تحاصر وتقتّل وتدمّر بيوتها ومعايشها دون أن تكون قادرة على إيقاف ذلك، كما فعلت مع فئة أخرى طوال عقد وخذلتها في الشام، لحوقل وضرب كفا بكف وبكى كمدا على حال أمة الإسلام!
(في الصورة: عشرات الآلاف في حفل أمس في الإسكندرية)
شريف محمّد جابر