وَلَمَّا قَدِمَ سَرْغ (3) وَبَلَغَهُ أَنَّ الطَّاعُونَ بِالشَّامِ, اسْتَشَارَ الْمُهَاجِرِينَ الْأَوَّلِينَ الَّذِينَ مَعَهُ, ثُمَّ الْأَنْصَارَ, ثُمَّ مُسْلِمَةَ الْفَتْحِ, فَأَشَارَ كُلٌّ عَلَيْهِ بِمَا رَأَى, وَلَمْ يُخْبِرْهُ أَحَدٌ بِسُنَّةٍ, حَتَّى قَدِمَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فَأَخْبَرَهُ بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الطَّاعُونِ, وَأَنَّهُ قَالَ: {إذَا وَقَعَ بِأَرْضِ وَأَنْتُمْ بِهَا, فَلَا تَخْرُجُوا
__________
(1) رواه أحمد، وأبو داود، والترمذي وقال: حديث حسن صحيح.
(2) رواه الشافعي في (مسنده) مرسلا، وله طرق مرسلة بهذا اللفظ، وروى أحمد، والبخاري، وأبو داود، والترمذي: عن عمر أنه لم يأخذ الجزية من المجوس، حتى شهد عبد الرحمن بن عوف أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس هجر. اهـ
(3) موضع في آخر الشام وأول الحجاز، بين المغيثة وتبوك من منازل حاج الشام. وقيل: على ثلاث عشرة مرحلة من المدينة المنورة. "معجم البلدان".
فِرَارًا مِنْهُ, وَإِذَا سَمِعْتُمْ بِهِ بِأَرْضِ فَلَا تَقْدَمُوا عَلَيْهِ} (1) .
وَتَذَاكَرَ هُوَ وَابْنُ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم- أَمْرَ الَّذِي يَشُكُّ فِي صَلَاتِهِ, فَلَمْ يَكُنْ قَدْ بَلَغَتْهُ السُّنَّةُ فِي ذَلِكَ, حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أنَّهُ يَطْرَحُ الشَّكَّ, وَيَبْنِي عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ} (2) .
وَكَانَ مَرَّةً فِي السَّفَرِ, فَهَاجَتْ رِيحٌ فَجَعَلَ يَقُولُ: {مَنْ يُحَدِّثُنَا عَنْ الرِّيحِ؟} قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: فَبَلَغَنِي وَأَنَا فِي أُخْرَيَاتِ النَّاسِ, فَحَثَثْت رَاحِلَتِي حَتَّى أَدْرَكْته, فَحَدَّثْته بِمَا أَمَرَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ هُبُوبِ الرِّيحِ (3) .
فَهَذِهِ مَوَاضِعُ لَمْ يَكُنْ يَعْلَمُهَا عمر -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حَتَّى بَلَّغَهُ إيَّاهَا مَنْ لَيْسَ مِثْلَهُ, وَمَوَاضِعُ أُخَرَ لَمْ يَبْلُغْهُ مَا فِيهَا مِنْ السُّنَّةِ فَقَضَى فِيهَا أَوْ أَفْتَى فِيهَا بِغَيْرِ ذَلِكَ.
__________
(1) رواه الإمام أحمد والبخاري ومسلم عن عبد الرحمن بن عوف رضي الله عنه.
(2) رواه أحمد، ومسلم، وأبو داود، والترمذي، ولكن عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، وأما رواية عبد الرحمن بن عوف، فرواها أحمد، والترمذي، وابن ماجة ولفظه (إذا شك أحدكم في صلاته، فلم يدر، أو واحدة صلى، أم اثنين، فليجعلهما واحدة،....) وليس فيها أن يطرح الشك ويبني على ما استيقن، كما ذكر المؤلف رحمه الله.
(3) وهو ما روى مسلم في "صحيحه" عن عائشة رضي الله عنها قالت: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا عصفت الريح قال: (اللهم إني أسألك خيرها وخير ما فيها وخير ما أرسلت به، وأعوذ بك من شرها وشر ما فيها وشر ما أرسلت به) . =
مِثْلَ مَا قَضَى فِي دِيَةِ الْأَصَابِعِ: أَنَّهَا مُخْتَلِفَةٌ بِحَسَبِ مَنَافِعِهَا, وَقَدْ كَانَ عِنْد أَبِي مُوسَى وَابْنِ عَبَّاسٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُم- -وَهُمَا دُونَهُ بِكَثِيرِ فِي الْعِلْمِ- عِلْمٌ بِأَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: {هَذِهِ وَهَذِهِ سَوَاءٌ يَعْنِي الْإِبْهَامَ وَالْخِنْصَرَ} (1) فَبَلَغَتْ هَذِهِ السُّنَّةُ معاويةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- فِي إمَارَتِهِ فَقَضَى بِهَا, وَلَمْ يَجِدْ الْمُسْلِمُونَ بُدًّا مِنْ اتِّبَاعِ ذَلِكَ, وَلَمْ يَكُنْ عَيْبًا فِي حق عُمَرَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- حَيْثُ لَمْ يَبْلُغْهُ الْحَدِيثُ.
وَكَذَلِكَ كَانَ ينْهى الْمُحْرِمَ عَنْ التَّطَيُّبِ قَبْلَ الْإِحْرَامِ؛ وَقَبْلَ الْإِفَاضَةِ إلَى مَكَّةَ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَة, ِ هُوَ وَابْنُهُ عَبْدُ اللَّهِ- رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا- وَغَيْرُهُمَا مِنْ أَهْلِ الْفَضْلِ, وَلَمْ يَبْلُغْهُمْ حَدِيثُ عَائِشَةَ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا-: {طَيَّبْت رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِإِحْرَامِهِ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ وَلِحِلِّهِ قَبْلَ أَنْ يَطُوفَ} (2) .
__________
= وما روى أبو داود وابن ماجة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (الريح من روح الله. تأتي بالرحمة، وتأتي بالعذاب، فإذا رأيتموها فلا تسبوها، وسلوا الله خيرها، واستعيذوا بالله من شرها) وهو حديث حسن صحيح كما قال الحافظ ابن حجر.
(1) رواه البخاري، وأبو داود، والنسائي، وابن ماجة عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
(2) متفق عليه من حديث عائشة رضي الله عنها.