قد بات واضحًا أن الشرف لا يُعلَّق على عمامة، ولا يُنقش على سبحة، ولا تُثبت قوته بلحية، فقد رأينا طوال هذه السنة رجالًا غطت أجسامهم الأوشام، وملأت سيرهم الذاتية قصص الفسق والفجور، ولكنهم كانوا أول من صرخوا في وجه الظلم، غير آبهين بتبعات ما سيقال عنهم. في حين أن الكثير ممن أتحفونا بالخطب العصماء عن الأخلاق والقيم، لا نسمع لهم همسًا عندما يقف الحق عاريًا في مواجهة جبروت الطغاة
العجيب في هذا المشهد، أن كثيراً ممن كنا نحسبهم خارج دائرة الخير والفضيلة هم من حملوا مشاعل الحق، ومن لا صلة لهم لا بفلسطين ولا بقضايا الأمة، تجدهم يقفون كالأشجار في وجه الرياح، يدافعون عن المظلومين ويرمون على التدليس والبروباغندا الكاذبة بعصا السنوار. وفي الوقت نفسه، ابتلعت الأرض أصواتًا كنا نظن أنها لن تخشى في الحق لومة لائم. هؤلاء الذين كانوا على منابر الوعظ كأنهم أسود، سرعان ما تحوّلوا إلى قطط أليفة تخشى أن يُقطع عنها رزقها إن نطقت بكلمة حق
هذا درسٌ واضحٌ لا يحتاج لكثير من التفلسف؛ المواقف في الأوقات الصعبة هي المعيار الحقيقي فقط. في لحظات الأزمة، لا قيمة للكلام المنمق أو الوعود المعسولة. الهندام، والأقنعة، وكل تلك المظاهر الخادعة تتلاشى أمام الحقيقة العارية: الشرف يكمن في الفعل، وليس في المظهر أو الحديث
د. بوبوح