فلو كنت تقوم باكثر من عمل في نفس الوقت فانت في الحقيقة لا تقوم بهم في نفس الوقت لان العقل لا يعمل بهذه الطريقة وانما تقوم بعمل واحد فقط ثم تنتقل بسرعة لشيء اخر ثم تعود للاول وهكذا وكل انتقال يتطلب جلوكوز وانت لديك كمية محددة من هذه المادة الغذائية يزن العقل اثنين كيلو فقط من اجسادنا ولكنه يستهلك عشرين بالمئة من طاقتنا الكلية كل يوم ولكل فرد فينا طاقته اليومية المحدودة فهل تختار اين تصرف طاقتك كل يوم ان تجعلها مستسلمة لكل مشتت يمر بها ليعبر من خلالها في حياتنا اليومية نتعرض للكثير من المشتتات الخارجي منها والداخلي ولعل الاقوى من ينتقل من كونه مشتت خارجي ليصبح مشتت داخلي يتكرر المرة تلو الاخرى في اذهاننا من هواتفنا لاخر كلمة سمعتها من مديرك لسوء الفهم اللي حصل بينك وبين صديقك لعدم نجاحك او خسارتك الاخيرة والمواقف تستمر ولا تنقطع ربما لا يمكننا منع المشتتات من حياتنا ولكن بامكاننا ادراج مساحة في ايامنا لللاشيء لعدم الذهني للملل حالة الملل هي حين لا يكون عقلك مركز في اي شيء بالتحديد هذه الحالة هي ما نهرب منها نهرب من الملل فور بزوغ ملامحه دون ان نفهم ما وراءه وما الذي قد يجلبه نهرب من الملل لدرجة ان البعض قد يختار ان يصعق نفسه بتيار مقارنة بمعايشته هذا ما حدث في دراسة اقيمت على عدد من المشاركين الذي تم وضع كلا منهم في غرفة فارغة الا من سر يصعقهم ان هم اختاروا الضغط عليه لرؤية مدى تحملهم للملل لمدة اقصاها خمسة عشر دقيقة النتيجة كانت ان خمسة وعشرين بالمئة من النساء وسبعة وستين بالمئة من الرجال اختاروا الضغط على الزر وصعق انفسهم نهرع لهواتفنا دون الانصات لحديث ما بحجة الملل نغفل عن الكثير من التفاصيل خلال يومنا بحجة الملل نغلق كتاب لم نتجاوز صفحته العشرين بحجة الملل هروبنا الدائم من الملل يجعلنا لا ندرك اننا غالبا نعيش نصف تجربة ونعايش انصاف الاشياء ونحيط انفسنا بمواقف غير مشبعة الرغباتنا ومشاعرنا ونفقد حالة الاشباع لحواسنا هروبنا من الملل يجعلنا نبتعد كثيرا عن هدوء النفس واسترخاء الروح يجعل نفقد قدرتنا شيئا فشيئا في الوصول لحالة الصفاء الذهني هروبنا المستمر وتشتتنا افقدنا القدرة على ممارسة اللا شيء فيبدأ ذلك بعبثية مشاعرنا وعشوائية افكارنا وعدم قدرتنا على ترتيبها او السيطرة عليها ثم نهرب ولكن بممارستك لللا شيء مرة بعد مرة ستصبح اكثر تحكما بزمام تفكيرك بل انه في مرحلة متقدمة ستسمح لما تريد بالتسلل لعقلك وتمنع البقية وسيكون هو وقتك المفضل الذي تهرب منه من ضجيج الحياة لذلك في التسعينات بدأ بيل جيتس باخذ ما يسمى بالاسبوع التفكير هنا كان لا يزال يدير مايكروسوفت وما زال يمارسها حتى الان يقضي الاسبوع بمفرده يفكر يقرأ ويحلل ، بحثك الدائم عن الاثارة اليومية عن شغف الايام الغير اعتيادية يفقدك استشعار معاني اللحظات البسيطة الملل ليس حياة بائسة او يوم سيء وانما لحظات تتسم باللا شيء خارجيا ولكنها محملة بكل شيء عقليا فلا بأس ان تقضي يوم او ساعات خالية لا بأس ان تشعر بالملل لا بأس ان لا يكون كل يوم هو يوم مثالي لذلك سعيك لوجودك في كل حدث وكل امر تشتتك وربما استعجالك لن يجعل منك شخص اكثر نجاحا او اكثر انتاجية وانما هدوئك وتركيزك هو من يجعل منك هذا الشخص لحظات ملل قد صنعت قفزات وعي وافكار واهم في حياة الكثير في جميع العصور وجميع الاديان كان لهذه اللحظات قدسيتها واثرها فكان لها اثرا في ظهور مفكر مثل دكتور مصطفى محمود بمكوثه في غرفة مستشفى لأربعة سنوات تلك اللحظات جعلت منه متأمل مفكر وكاتب ، الملل هو من يجعلنا نفكر في الاشياء من حولنا وماهيتها وكيفية عملها هو من يطلق لتساؤلاتنا العنان هو من يجعل تفكيرنا يصل لادق تفاصيل الكون والى الفضاء الفسيح ويتساءل حول الكواكب والنجوم او يغوص في اعماق البحار ويتأملها او يذهب لصناعة معينة ويبحث في تاريخها واسرارها هو من يجعلنا نتساءل نفكر ونبحث وقبل ان نختم ، رضانا عن يومنا تمت قولبته وحصر في مدى ضجيجه بالمهام في عبثية انشغالاته وفي خلوه من اللاشيء فكرة قضائك اليوم او حتى لساعات تنأى فيها عن الازدحام تخفض صوته ومطالباته الملحة ليصدح صوت العدم تبدو فكرة ليست بالجيدة ان تصف بها يومك او ان تتخذها روتينا متبع هذا النمط يبعد كثيرا عن نمط اليوم المثالي الذي يتبع او يسعى لاتباعه الكثير نمط يبتسم الرقص والضجيج نمط تظن تملكه ولكن خطوته تملكك نمط قد يصور لك بانك اكثر نجاحا ويشعرك بالرضا ولكن ترى الاشياء بوضوح في المساحات الفارغة لا المزدحمة وتسمع الاصوات بوضوح حين تحصر في ابواق لا حين تضيع ضمن الضجيج فكل امتلاء يتطلب تفريغ وكل فوضى تريد ترتيب وكل فكرة يؤجج شرارتها تساؤل بذرة في لحظة ملأ .