كتابات علي المؤمن

@alialmomen64


قناة خاصة بكتابات علي المؤمن

كتابات علي المؤمن

20 Oct, 01:18


بل تعاظم اللبس عند بعض هؤلاء، الى المستوى الذي دفعه الى قتال علي، وهو يتصور أن عمله مبرء لذمته الشرعية، لأنه يقاتل الى جانب زوج رسول الله وإلى جانب اثنين من أكابر الصحابة المجاهدين، أو الى جانب والي الخلافة (الراشدة) في الشام.

ولكن؛ أن يحصل لبس لدى شيعي (متدين) تجاه الموقف من المعركة القائمة؛ بحيث يدعو الى الحياد بين طرفيها؛ فهذا ما يتجاوز نظرية أبي هريرة بكثير جداً من المخالفات الأخلاقية والشرعية الإضافية، لأن أبا هريرة كان يمارس الحياد بين رفاق دربه من صحابة رسول الله والتابعين كما يعتقد، أي أن نظرية أبي هريرة بكل تهافتها ومخالفتها للقواعد الأخلاقية والشرعية؛ لا تستطيع تسويغ موقف دعاة الحياد السلبي والنفعي في المعركة الحالية، خاصة وأن المحور الشيعي المقاوم اليوم، تقوده المرجعية الدينية التي تمثل الخط العام للنظام الاجتماعي الديني الشيعي، ولا يقوده خط شيعي خاص أو خط فئوي أو رمزية ثانوية؛ إنما تقوده المرجعية بنفسها.

ولذلك؛ فإن القياس على موقف الإمام السجاد من ثورة المختار أو موقف الإمام الصادق من ثورة زيد بن علي هو قياس باطل؛ لأن المختار وزيد لم يكونا يمثلان الخط الشيعي العام؛ بل كانا يمثلان خطين خاصين ورمزيتين ثانويتين، في حين كان الإمامان السجاد والصادق هما اللذان يمثلان الخط الشيعي العام وقيادته الأصلية الشرعية؛ فضلاً عن أن الإمام السجاد والإمام الصادق لم يكونا على الحياد بين ثورة المختار وثورة زيد والسلطة الأموية، إطلاقاً، بل كان موقفهما مؤيداً لثورة المختار وثورة زيد، وداعماً لهما، وإن كان دعماً غير مباشر، وعبر أساليب ووسائل خاصة، لأسباب يطول شرحها، وهو ما سنوضحه في مقال آخر.

أما قيادة الخط الشيعي العام اليوم المتمثلة بالمرجعية الدينية؛ فهي التي تقود المحور الشيعي المقاوم الناهض كما ذكرنا، سواء عبر التصدي المباشر المتمثل بالمرجع السيد علي الحسيني الخامنئي، أو الدعم غير المباشر المتمثل بالمرجع السيد علي الحسيني السيستاني، فضلاً عن دعم جميع مراجع الشيعة في النجف وقم للمحور. ومن يريد معرفة مواقف مراجع الشيعة؛ فليتأمل بدقة في مضامين بياناتهم باستشهاد سليماني والمهندس ونصر الله؛ إذ كانت تعبِّر عن حقيقة مواقفهم الداعمة والمتبنِّية، ولم تكن مجرد بيانات تعزية. أما أدلة الدعم والتبني والاحتضان في المجالات الأخرى؛ فنتركها للتاريخ.

ويعتمد بعض المثقفين المتفلسفين الشيعة في تشكيل خطابه الحيادي على عناصر مركبة من:

1- نظرية أبي هريرة في الحياد السلبي والحياد النفعي
2- المنهج المذهبي التاريخي الانعزالي، والذي يمثله تيار (الحجتية) المعاصر.
3- المصطلحات العصرية العلمانية
4- مفردات الدعاية العنصرية الطائفية للآخر المذهبي.

وكان الناتج خطاباً مركّباً انهزامياً انتهازياً، يصف المعركة القائمة بأنها معركة من أجل المصالح القومية والوطنية للطرفين المتحاربين، ولا مصلحة لشيعة بلدان الاحتكاك، ولا سيما لبنان والعراق، الانخراط فيها؛ لأنها محرقة تتعارض مع المصالح الوطنية للشيعة، أي أن هذا الخطاب يساوي بين دوافع وأهداف المحور المحارِب المعتدي، المتمثل بالصليبية الأمريكية والصهيونية الإسرائيلية والوهابية السعودية من جهة، وبين دوافع وأهداف المحور الشيعي المدافِع، ويرفضهما معاً، لكنه من طرف خفي؛ يسوغ للسلوكيات العدوانية للمحور الأمريكي الصهيوني السعودي، ويلقي اللوم على المحور الشيعي المقاوم؛ لأنه يتحرش بالمحور المعادي ويورط الشيعة في معارك أكبر من حجمهم، وبذلك؛ يتغافل هؤلاء اللائمون كل السيرة الوحشية العدوانية لهذا المحور، وأهدافه الاستكبارية في الماضي والحاضر والمستقبل.

وفي المحصلة؛ يحاول هذا الخطاب (الهريري) المعاصر استغفال الشيعة بشأن حقيقة المصالح الجيوسياسية والجيوستراتيجية والتشابك الاجتماعي والمصير المشترك بين المكونات الشيعية الوطنية؛ فضلاً عن التغافل عن إلزامات الانتماء العقيدي، وهي مصالح وإلزامات دينية ودنيوية مشتركة عميقة بين بلدان الأكثريات الشيعية في المنطقة، في حين لا يوجد أي نوع من هذه المصالح والإلزامات تجاه أنظمة المحور الأمريكي الإسرائيلي السعودي؛ الأمر الذي ينزع كل مسوغات الحياد السلبي والنفعي المصطنعة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام: https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

20 Oct, 01:18


نظرية أبي هريرة في الحياد وتطبيقاتها عند بعض الشيعة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

لا يزال الصحابي الروائي "أبو هريرة" حاضراً في خطاب وسلوك بعض المتدينين والسياسيين الشيعة، من خلال نظريته السياسية، القائمة على قاعدتي الحياد السلبي والحياد النفعي بين المتخاصمين، وتحديداً بين الصحابة. ومآل هذا الحياد اعتزال أي نوع من أنواع الاصطفاف، سواء الاصطفاف مع الصحابي الذي يمثل الحق والخير، أو الصحابي الذي يمثل الباطل والشر، إضافة الى عدم الاصطفاف مع تيار الحياد الإيجابي الذي يهدف الى حقن الدماء ورأب الصدع بين المسلمين، كما يزعم؛ برغم أن الحياد الإيجابي لا معنى له بين الحق والباطل.

والمسوغات العقلية والأخلاقية والشرعية التي اختلقها "أبو هريرة" لتمرير نظرية الحياد السلبي والحياد النفعي، هي في الحقيقة مسوغات متهافتة ولا تمت الى أي دين وأخلاق بصلة. وكان أكثر من فنّد هذه المسوغات تفنيداً أخلاقياً وعقلياً ونقلياً هم متكلمو الشيعة وفقهاؤهم وباحثوهم. ولذلك؛ فإن وعي العقل الشيعي المتدين بهذه الإشكالية هو وعي تراكمي، ولديه القدرة التلقائية على تفكيكها ونقضها. على العكس من العقل السني المتدين، الذي يجد صعوبة بالغة في وعي تهافت نظرية أبي هريرة في الحياد، ويعود هذا التباين في الوعي، الى مصادر التفسير المعرفي لدى الطرفين. وهذا هو السبب الذي جعل المقال يتخصص في دراسة حالة الشيعي المحايد، وليس السني أو عموم المسلمين.

ولعل أهم تطبيقات نظرية أبي هريرة في الحياد السلبي؛ هو تطبيق ((الوقوف على التل))، الذي استخدمه أبو هريرة خلال معركة صفين بين جيش علي وجيش معاوية، لأنه ((آمَن وأَسلَم)). والمسوغ هنا حفظ النفس، أو بمعنى آخر: عدم التضحية بالنفس من أجل مصالح معاوية ومصالح علي، وهي مصالح سلطوية شخصية كما كان يرى أبو هريرة، أو أنها مصالح قومية ووطنية (حسب التعبير الحديث). وربما يكون الدافع الحقيقي للوقوف على التل هو الجبن والخوف والتمسك بالحياة على حساب نصرة الحق، برغم علم أبي هريرة بالحقيقة، ولكن الرجل يضطر الى خلق مسوغات عقلية عامة أو دينية للتغطية على تخلفه في نصرة الحق، وهي مسوغات أقبح من الدوافع الحقيقية.

أما التطبيق الآخر فهو الحياد النفعي، ويتمظهر في مسك العصا من الوسط؛ بهدف إيجاد توازن نفعي بين دنيا الباطل ودين الحق، وتحديداً بين دنيا معاوية ودين علي، وهو التوازن الذي يصفه أبو هريرة بقوله: ((مضيرة معاوية ألذ وأدسم، والصلاة خلف علي أفضل وأتم))، وهذا الحياد هو حياد نفعي وانتهازي، وأسوء من الحياد السلبي.

وقد طبّق كثير من المسلمين هذه النظرية حينها، كما استخدموها في مراحل تاريخية لاحقة كثيرة. ثم انتقلت كمنهج وسلوك وخطاب لدى شرائح من المسلمين الشيعة أيضاً، فبات هؤلاء يعيشون ازدواجية بين انتمائهم العلوي الحسيني وبين سلوكهم (الهريري). وإذا كان المتدين الشيعي لا يجد مشكلة في وعي تهافت نظرية الحياد النفعي؛ فإن بعض المتدينين والسياسيين الشيعة ظل يعاني من مشكلة مزمنة في وعي المصاديق المستجدة عبر الزمان والمكان لأطراف نظرية أبي هريرة؛ الأمر الذي يجعله يقع في اللبس نفسه الذي وقعت فيه الأطراف التاريخية التي بنى عليها أبو هريرة نظريته.

وعليه؛ فإن المقاربة المطروحة هنا؛ تتناول منهج أبي هريرة في الحياد لدى بعض المتدينين والسياسيين الشيعة غير المجنّدين، وليس عموم الشيعة أو عموم المتدينين المسلمين، لأن المتدين والسياسي الشيعي المجنّد يعمل وفق أجندة مقيدة لسلوكه وخطابه، وإن كان بصيراً بالحقائق، أما الشيعي غير المتدين فهو غير معني بالمقاربة الدينية هذه، بل هو ربما لا يعترف بوجود ساحة عنوانها الساحة الإسلامية الشيعية.

ولا شك أنّ تطبيق نظرية أبي هريرة في الحياد، على موقف بعض المتدينين والسياسيين الشيعة، من المعركة القائمة بين المحور الشيعي المدافِع عن نفسه، والمحور الأمريكي الصهيوني السعودي المهاجِم؛ يكشف عن حقيقة أن هذا الحياد هو أسوء وأبشع وأكثر فقداناً للشرعية من الحياد بين علي ومعاوية، لأن معاوية كان في ظاهره صحابياً وقيادياً مسلماً، وأحد رجالات دولة الخلافة (الراشدة)، وهي مواصفات تنطبق على آخرين حاربوا علياً أيضاً، كالزبير وطلحة وعائشة. وقد يتراكم اللبس عند التأمل في عناصر جيش علي من جهة وعناصر جيش الجمل وجيش معاوية وجيش الخوارج من جهة أخرى؛ فسيتبيّن أنهم مسلمون بأجمعهم، وبينهم عدد من الصحابة والتابعين.

صحيح أن علياً حسم هذا اللبس بقوله لأحد الصحابة غير المتبصرين: ((إنك لمبلوس عليك. إن الحق والباطل لا يعرفان بأقدار الرجال. إعرف الحق تعرف أهله، واعرف الباطل تعرف أهله))، إلّا أن حسم الإمام علي هذا لم يلغ وقوع اللبس واستمراره وتفاعله عند المسلمين غير المتبصرين، الذين أقنعوا أنفسهم بأن هذه الحروب فتنةٌ بين المسلمين؛ فكانوا كابن اللبون فيها.

كتابات علي المؤمن

15 Oct, 19:24


ومن الطبيعي أن يكون المخاض مؤلماً، وينطوي على خسائر وسلبيات، ويأخذ وقتاً، لكن الوليد سيمثل خطوة كبرى إلى الإمام. وهو ما ظل يتلمّسه العالم والشيعة أنفسهم، بعد نهاية كل مخاض من المخاضات المؤلمة الصعبة التي عاشها محور الصعود الشيعي، منذ العام 1979. وبالتالي؛ فإن الانطلاقة الشيعية الجديدة لا تفاجيء مراكز صنع القرار الغربي ودوائرها المخابراتية ومراكز ابحاثها ولن تفاجأها، بل ستفاجيء عملاءها، وخاصة العملاء الدعائيين.

ولعل المقترحات الأمريكية الأخيرة التي قدمها المفاوضون الأمريكيون لإيران، عبر قطر وعمان، توضح وعي أمريكا بقوة الواقع الشيعي الحالي ورصانة حركته؛ إذ أكد المفاوضون الأمريكيون على أن أمريكا مستعدة لتنظيم سلة واحدة من الضمانات الرسمية المتبادلة، تتضمن رفع جميع العقوبات الأمريكية والأوروبية عن إيران، وعقد شراكة اقتصادية امريكية أوروبية إيرانية، وضمان حضور إيراني سياسي أكثر قوة في الشرق الأوسط، وغض النظر عن المشروع النووي الإيراني، وعدم التدخل بأي نحو في الشأن الداخلي الإيراني، مقابل تعهد إيران بوقف كل أشكال الصراع مع إسرائيل، ووقف دعم الفصائل الفلسطينية، ونزع سلاح حزب الله في لبنان وفصائل المقاومة في العراق وجماعة أنصار الله في اليمن، ووقف تزويد روسيا بالسلاح.

وقد كررت طهران رفضها القاطع، وطالبت بأن تقتصر المفاوضات على البرنامج النووي، وهي تعلم أن برنامجها النووي إنما هو ذريعة تتخذها أمريكا، وليس هدفاً بذاته؛ لأن الهدف الأمريكي الأوروبي من وراء عقوباتهما على إيران ومحاصرتها، إنما هو أمن إسرائيل ومستقبلها، وليس البرنامج النووي ولا الحريات في إيران ولا نفوذها في الشرق الأوسط. ومقابل إصرار المفاوض الأمريكي على موقفه؛ فإن إيران أبلغت قطر وعمان وقفها المفاوضات غير المباشرة مع أمريكا أول أمس (12 تشرين الأول/ أكتوبر)، وهو ما فاجأ الأمريكيين والوسطاء بشدة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
لمتابعة "كتابات علي المؤمن" الجديدة وارشيف مقالاته ومؤلفاته بنسخة (Pdf) على تلغرام:
https://t.me/alialmomen64

كتابات علي المؤمن

15 Oct, 19:24


شيعة الشرق الأوسط والمخاض الصعب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
د. علي المؤمن

قبل ثلاثة أشهر، بدأت الوحدة 8200 (SIGINT) التابعة لاستخبارات الجيش الإسرائيلي، التحضير لموجة دعائية مهمة جديدة، موضوعها "التغيير القادم في الشرق الأوسط"، أو "الشرق الأوسط الجديد بقيادة إسرائيل والسعودية" برعاية الولايات المتحدة الأمريكية، والذي يقوم على معادلة أفول قوة الشيعة وانهيار محور المقاومة الشيعية وحلفائه السنة، مقابل صعود ما يسمى بالإسلام العلماني الليبرالي المسالم، كما سبق لمؤسسة راند الأمريكية أن أسست لمعالمه.

وما لبثت هذه الموجة الدعائية أن انطلقت، بعد أن أعلن رئيس وزراء اسرائيل نتنياهو عن موضوعها صراحةً في 28 أيلول/ سبتمبر الماضي، وذلك بعد يوم واحد من اغتيال السيد نصر الله، حين بشّر بأن إسرائيل تعمل على تنفيذ مشروع شرق أوسط جديد يخضع لرؤيتها. وكان هذا الإعلان بمثابة كلمة السر لشبكات الدعاية الصهيونية والأمريكية والسعودية، لتنطلق بقوة كبيرة ومنهجية وبصفوف متراصة، للترويج للموضوع.

وراح العملاء الدعائيون يروجون لهذا الشرق الأوسط المتخيّل، من خلال القنوات الفضائية والصحافة ومواقع الانترنيت العربية والعبرية والأمريكية، وبات الشغل الشاغل لبعض الإعلاميبن والكتّاب والمحللين السياسيبن والعسكريبن اللبنانيين والعراقيين والسعوديين والمصريين والأردنيين والإماراتيين والبحرانيين والسوريين، المعروفين بعلاقاتهم بالمؤسسات الإسرائيلية والسعودية، وبالسفارات الأمريكية والبريطانية، فضلاً عن معممين سنة وشيعة، يحملون التوجهات نفسها. كما أخذ بعض المعارضين الشيعة لمحور المقاومة الشيعية، يرددونها عن قصد أو سذاجة، للاستدلال بها على صحة مواقفهم.

والحقيقة أن مقولة نتنياهو بشأن مشروع إسرائيل لتأسيس شرق أوسط جديد، هو مجرد مقولة دعائية، وليس مشروعاً فعلياً؛ لأن هذه المقولة لا تستند الى أية معطيات واقعية، ولا توجد عليها أية مؤشرات حقيقية، بل ولا تعتقد إسرائيل نفسها بتوافر الإمكانيات لديها ولدى راعيتها أمريكا وحليفتها السعودية وأي من حلفائها العرب، لتنفيذ هكذا مشروع، فضلاً عن انعدام فرص نجاحه؛ بالنظر للتصاعد المطرد لقوة المحور الشيعي، ورصانة دعائمه في المواجهة، والخبرات والتجارب الكبيرة التي اكتسبها خلال السنة الأخيرة، ومنعه خلق ثغرات في موازين القوة، رغم خسارته لقيادات مهمة، في مقدمتهم الأمين العام لحز ب الله.

وتدخل مقولة نتنياهو وحلفائه، في إطار الحرب النفسية التي تهدف إلى ترهيب الحواضن الاجتماعية لمحور الصعود الشيعي، وخلق فجوة بينها وبين حكومات المقاومة وأحزابها وفصائلها، ودفع هذه الحواضن للتمرد على ركائز القوة فيها. أي أن الرهان الحقيقي لأمريكا وإسرائيل والسعودية ليس على تدمير المحور الشيعي عسكرياً وسياسياً، لأنها تعلم بعدم إمكانية الانتصار عسكرياً وسياسياً على المحور الشيعي، بل رهانها يقوم على دفع الحواضن الاجتماعية الشيعية للانقلاب نفسياً وإعلامياً وسياسياً على قياداتها وكياناتها السياسية والدينية. وقد نجحت الدعاية الإسرائيلية والأمريكية والسعودية بالفعل في ترهيب جزء من هذه الحواضن، وجعلته يتناقل كثيراً من إشاعاتها وترهيباتها، بل نجحت تلك الدعاية في زيادة رعب بعض الأصوات الشيعية المرجفة. ويعود هذا النجاح إلى ضعف الأداء الإعلامي والثقافي والتوعوي للمحور الشيعي خلال الحرب الحالية، مقابل السطوة الإعلامية الأمريكية والإسرائيلية والسعودية.

أما بعض التيارات الطائفية والعلمانية في البلدان العربية، بما فيها القومية والإسلامية؛ فقد تلقفت مقولة نتنياهو وتبشير السعودية بها؛ لتحوِّلها إلى استراتيجية لحاضرها ومستقبلها، ولتتصرف على أساسها من أجل تحقيق مكاسب سياسية في لبنان والعراق واليمن؛ مستغلةً انشغال المقاومة في الحرب مع اسرائيل وأمريكا، رغم أن الحكماء والأذكياء في هذه التيارات يعلمون أن مقولة التأسيس لشرق أوسط أمريكي إسرائيلي سعودي يلغي وجود المحور الشيعي، وينهي مسار صعوده؛ إنما هي أوهام وتمنيات وآمال ليس إلّا.

ومن خلال مراقبة منهجية دقيقة لتفاصيل واقع منطقة الشرق الأوسط، ولتقارير مراكز الدراسات الغربية المتخصصة، سيتضح للباحث الموضوعي؛ بأن ما يحصل وسيحصل في الشرق الأوسط، هو على العكس مما تحدث عنه نتنياهو وما تروج له الدعاية الأمريكية الإسرائيلية والسعودية؛ فالمرحلة الحالية تمثل مخاضاً صعباً جديداً للنهضة الشيعية الشاملة، يشبه مخاضاتها المؤلمة في الأعوام 1979، و1989 و1992 و2003 و2006 و2014، وهو ما تعرفه الدوائر المخابراتية الأمريكية والإسرائيلية والسعودية جيداً، وتعرف أيضاً أن محور الصعود الشيعي يعيش مساره المعتاد، مع طاقة دافعة حذرة أكبر.